[ ص: 125 ] الفصل الثالث
في
nindex.php?page=treesubj&link=28911المحكم والمتشابه من القرآن
اعلم أن لا اختلاف في وقوع النوعين فيه ; لقوله سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات واختلف في تعريفهما فقيل : المحكم ما له دلالة واضحة ، والمتشابه ما له دلالة غير واضحة ، فيدخل في المتشابه المجمل والمشترك ، وقيل في المحكم : هو متضح المعنى ، وفي المتشابه : هو غير المتضح المعنى ، وهو كالأول ، ويندرج في المتشابه ما تقدم .
والفرق بينهما أنه جعل في التعريف الأول الاتضاح وعدمه للدلالة ، وفي الثاني لنفس المعنى .
وقيل في المحكم : هو ما استقام نظمه للإفادة ، والمتشابه : ما اختل نظمه لعدم الإفادة ، وذلك لاشتماله على ما لا يفيد شيئا ، ولا يفهم منه معنى ، هكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي ومن تابعه .
واعترض عليه : بأن القول باختلال نظم القرآن مما لا يصدر عن المسلم ، فينبغي أن يقال في حده هو : ما استقام نظمه لا للإفادة بل للابتلاء .
وقيل : المحكم ما عرف المراد منه ، إما بالظهور ، وإما بالتأويل ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه .
وقيل : المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، والمتشابه ما احتمل أوجها .
وقيل : المحكم الفرائض والوعد والوعيد ، والمتشابه القصص والأمثال .
[ ص: 126 ] وقيل : المحكم الناسخ ، والمتشابه المنسوخ .
وقيل : المحكم هو معقول المعنى ، والمتشابه هو غير معقول المعنى ، وقيل غير ذلك .
وحكم المحكم هو وجوب العمل له ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28911المتشابه فاختلف فيه على أقوال : الحق عدم جواز العمل به ; لقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به والوقف على قوله : إلا الله متعين ، ويكون قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم مبتدأ ، وخبره :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يقولون آمنا به ولا يصح القول بأن الوقف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم ; لأن ذلك يستلزم أن يكون جملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يقولون آمنا به حالية ، ولا معنى لتقييد علمهم به بهذه الحالة الخاصة وهي حال كونهم يقولون هذا القول ، وقد بسطنا الكلام على هذا في تفسيرنا الذي سميناه فتح القدير . فليرجع إليه ، فإن فيه ما يثلج خاطر المطلع عليه إن شاء الله ، وليس ما ذكرناه من عدم جواز العمل بالمتشابه لعلة كونه لا معنى له ، فإن ذلك غير جائز بل لعلة قصور أفهام البشر عن العلم به ، والاطلاع على مراد الله منه ، كما في الحروف التي في فواتح السور ، فإنه لا شك أن لها معنى لم تبلغ أفهامنا إلى معرفته ; فهي مما استأثر الله بعلمه ، كما أوضحناه في التفسير المذكور ، ولم يصب من تمحل لتفسيرها ، فإن ذلك من التقول على الله بما لم يقل ، ومن تفسير كلام الله سبحانه بمحض الرأي ، وقد ورد الوعيد الشديد عليه .
[ ص: 125 ] الْفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28911الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ
اعْلَمْ أَنْ لَا اخْتِلَافَ فِي وُقُوعِ النَّوْعَيْنِ فِيهِ ; لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِهِمَا فَقِيلَ : الْمُحْكَمُ مَا لَهُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا لَهُ دَلَالَةٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ ، فَيَدْخُلُ فِي الْمُتَشَابِهِ الْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ ، وَقِيلَ فِي الْمُحْكَمِ : هُوَ مُتَّضِحُ الْمَعْنَى ، وَفِي الْمُتَشَابِهِ : هُوَ غَيْرُ الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى ، وَهُوَ كَالْأَوَّلِ ، وَيَنْدَرِجُ فِي الْمُتَشَابِهِ مَا تَقَدَّمَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الِاتِّضَاحَ وَعَدَمَهُ لِلدَّلَالَةِ ، وَفِي الثَّانِي لِنَفْسِ الْمَعْنَى .
وَقِيلَ فِي الْمُحْكَمِ : هُوَ مَا اسْتَقَامَ نَظْمُهُ لِلْإِفَادَةِ ، وَالْمُتَشَابِهُ : مَا اخْتَلَّ نَظْمُهُ لِعَدَمِ الْإِفَادَةِ ، وَذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا لَا يُفِيدُ شَيْئًا ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى ، هَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ .
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ : بِأَنَّ الْقَوْلَ بِاخْتِلَالِ نَظْمِ الْقُرْآنِ مِمَّا لَا يَصْدُرُ عَنِ الْمُسْلِمِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي حَدِّهِ هُوَ : مَا اسْتَقَامَ نَظْمُهُ لَا لِلْإِفَادَةِ بَلْ لِلِابْتِلَاءِ .
وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ مَا عُرِفَ الْمُرَادُ مِنْهُ ، إِمَّا بِالظُّهُورِ ، وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ .
وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ مَا لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا احْتَمَلَ أَوْجُهًا .
وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ، وَالْمُتَشَابِهُ الْقِصَصُ وَالْأَمْثَالُ .
[ ص: 126 ] وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ النَّاسِخُ ، وَالْمُتَشَابِهُ الْمَنْسُوخُ .
وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى ، وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَحُكْمُ الْمُحْكَمِ هُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ لَهُ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28911الْمُتَشَابِهُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ : الْحَقُّ عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ ; لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ : إِلَّا اللَّهُ مُتَعَيَّنٌ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مُبْتَدَأً ، وَخَبَرُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ حَالِيَّةً ، وَلَا مَعْنًى لِتَقْيِيدِ عِلْمِهِمْ بِهِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ حَالُ كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي تَفْسِيرِنَا الَّذِي سَمَّيْنَاهُ فَتْحَ الْقَدِيرِ . فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ ، فَإِنَّ فِيهِ مَا يُثْلِجُ خَاطَرَ الْمُطَّلِعِ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَيْسَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْمُتَشَابِهِ لِعِلَّةِ كَوْنِهِ لَا مَعْنَى لَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بَلْ لِعِلَّةِ قُصُورِ أَفْهَامِ الْبَشَرِ عَنِ الْعِلْمِ بِهِ ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ ، كَمَا فِي الْحُرُوفِ الَّتِي فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ لَهَا مَعْنًى لَمْ تَبْلُغْ أَفْهَامُنَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ ; فَهِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ ، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ تَمَحَّلَ لِتَفْسِيرِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ ، وَمِنْ تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَحْضِ الرَّأْيِ ، وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَيْهِ .