الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 113 ] ( فصل ) في المبيت بمزدلفة وتوابعه ولكون ما فيه أعمالا مرتبة على ما قبلها عطفها عليه فقال ( ويبيتون ) وجوبا أي الدافعون من عرفة بعد الوقوف ( بمزدلفة ) للاتباع فيجبر بدم وقيل سنة ورجحه الرافعي وقيل ركن وعليه كثيرون واختاره السبكي ويحصل بلحظة من النصف الثاني ولو بالمرور كما صرح به جمع أخذا من الأم والإملاء وعليه يحمل تعبير شارح وغيره بمكث لحظة وقيل يشترط معظم الليل ورجحه الرافعي في موضع ثم استشكله بأنهم لا يصلونا إلا قريبا من ربع الليل مع جواز الدفع منها عقب نصفه وعلى الأول فارق هذا ما يأتي في مبيت منى بأنه ثم ورد لفظ المبيت ، وهو إنما ينصرف للمعظم ولم يرد هنا مع أن تعجيله صلى الله عليه وسلم للضعفة بعد النصف صريح في عدم وجوب المعظم على أنهم ثم مستقرون وهنا عليهم أعمال كثيرة شاقة فخفف عليهم لأجلها ويسن إحياء هذه الليلة بالذكر والدعاء للاتباع [ ص: 114 ] ولأن على الحاج في صبيحتها أعمالا شاقة فأريح ليلا ليستعين عليها ومن ثم لم يسن له التنفل المطلق فيها ( ومن دفع منها بعد نصف الليل ، أو قبله ) بعذر ، أو غيره ( وعاد قبل الفجر فلا شيء عليه ) لحصوله بها في جزء من النصف الثاني ( ومن لم يكن بها في النصف الثاني أراق دما وفي وجوبه القولان ) السابقان فيمن فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد لكن الأصح هنا الوجوب حيث لا عذر مما يأتي في مبيت منى وأخذ منه البلقيني أن من شرط مبيته بمدرسة لو نام خارجها لخوف على محترم لم ينقص من جامكيته شيء كما لا دم هنا على المعذور ولك رده لوضوح الفرق باختلاف ملحظ البابين ؛ لأن ذلك كالجعالة فلا يستحق إلا إن أتى بالعمل المشروط عذر أم لا وهذا تفويت وحيث عذر فلا تفويت وسيأتي آخر الجعالة [ ص: 115 ] ما يعلم منه الراجح في ذلك ومن العذر هنا اشتغاله بالوقوف ، أو بطواف الإفاضة بأن وقف ثم ذهب إليه قبل النصف ، أو بعده ولم يمر بمزدلفة ، وإن لم يضطر إليه ويوجه بأن قصده تحصيل الركن ينفي تقصيره نظير ما مر في تعمد المأموم ترك الجلوس مع الإمام للتشهد الأول نعم ينبغي أنه لو فرغ منه وأمكنه العود لمزدلفة قبل الفجر لزمه ذلك

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل في المبيت بمزدلفة وتوابعه ) .

                                                                                                                              ( قوله : عطفها عليه ) ، فإن قلت فيلزم فصل هذا المعطوف بجملة ، وهي قوله فصل أي هذا فصل قلت الفصل جائز بما لم تتمحض أجنبية ومنه جملة الاعتراض كما صرحوا به وهذه الجملة اعتراضية فليتأمل ويجوز أن يكون المعطوف عليه مقدرا بعد الفصل أي فصل يفعلون ما ذكر ويبيتون وأن تكون الواو استئنافية .

                                                                                                                              ( قوله : في المتن ويبيتون ) هل يشترط أن لا يكون مغمى عليه كما في وقوف عرفة وعليه فلو بقي مغمى عليه جميع النصف الثاني هل يسقط الدم ؛ لأن الإغماء عذر والمبيت يسقط بالعذر بخلاف وقوفه بعرفة وهل يشترط أن لا يكون مجنونا وعليه لو بقي مجنونا في جميع النصف الثاني فهل يسقط الدم ويجعل الجنون عذرا والمبيت يسقط بالعذر ولا يبعد أن يجعل عذرا لعدم تمكنه منه نعم إن كان له ولي أحرم عنه وجب عليه إحضاره وإلا فعلى الولي الدم كما يعلم مما تقدم أول الباب .

                                                                                                                              ( قوله : ويحصل بلحظة من النصف الثاني ولو بالمرور إلخ ) عبارته في الحاشية بل قال السبكي يجزئ المرور كما في عرفات وعليه يدل كلام المصنف وغيره ا هـ وقضية قوله كما في عرفات أنه لا ينصرف بالصرف وأنه يجزئ ، وإن قصد آبقا ولم يعلم أنها مزدلفة [ ص: 114 ] وينبغي أن يجري ذلك في منى فيحصل المبيت بها ، وإن لم يعلم أنها منى وقصد غير الواجب م ر .

                                                                                                                              ( قوله ثم استشكله إلخ ) كان يمكنه دفع الإشكال لتخصيص جواز الدفع عقب النصف بمن وصلها عند الغروب لكنه خلاف ما دلت عليه السنة كما هو ظاهر .

                                                                                                                              ( قوله : ولأن على الحاج إلخ ) تعليل لكون الإحياء بالذكر والدعاء دون غيرهما مما يتعب كالصلاة .

                                                                                                                              ( قوله : ومن ثم لم يسن له التنفل المطلق فيها ) عبارة شرح العباب وإطلاقه أي المجموع الصلاة مستثنى نفلها المطلق للاتباع لما صح { أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد راتبة العشاء إلى طلوع الفجر وكان إحياؤه بالذكر والذكر أفضل } ا هـ وهل المراد براتبة العشاء ما يشمل الوتر لئلا يلزم فواته .

                                                                                                                              ( قوله : في المتن وعاد ) راجع لقوله أو قبله فقط شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله : وأخذ منه البلقيني أن من شرط مبيته بمدرسة لو نام خارجها لخوف إلخ ) نظير ذلك ما في شرح الروض في الجعالة مما نصه خاتمة لو تولى وظيفة وأكره على عدم مباشرتها أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري باستحقاق المعلوم قال الزركشي والظاهر خلافه ؛ لأنها جعالة ، وهو لم يباشر ا هـ فإفتاء التاج موافق لما قاله البلقيني وبحث الزركشي موافق لرد الشارح ثم [ ص: 115 ] رأيت قول الشارح وسيأتي آخر الجعالة ما يعلم منه إلخ ( قوله : ما يعلم منه الراجح إلخ ) لم يزد في آخر الجعالة على نقله كلام التاج الفزاري المذكور فيما مر عن شرح الروض وتعقبه بقوله واعتراض الزركشي إلى آخر ما حكاه في اعتراضه ثم قال يجاب عنه إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : ولم يمر بمزدلفة إلخ ) ظاهره ولو مع إمكان المرور منها .

                                                                                                                              ( قوله : نعم ينبغي ) هذا يدل عليه قول شارح البهجة ولم يمكنه العود إلى مزدلفة ليلا كما أجاب به القفال وغيره ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أنه لو فرغ منه ) ينبغي من الوقوف أو الطواف حتى يشمل المسألتين



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              [ ص: 113 ] فصل في المبيت بمزدلفة وتوابعه ) ( قوله : بمزدلفة ) بكسر اللام وطولها سبعة آلاف ذراع محمد صالح وفي الكردي على بافضل عن فيض الأنهر من كتب الحنفية طول مزدلفة سبعة آلاف ذراع وثمانون ذراعا وأربعة أسباع ذراع ا هـ ( قوله : وتوابعه ) أي كالدفع منها وطلب الدم على ترك المبيت وسن أخذ الحصى منها والوقوف بالمشعر الحرام ورمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق أو التقصير ثم دخول مكة لطواف الإفاضة ( قوله : على ما قبلها إلخ ) يعني على الأعمال المذكورة في الفصل السابق ( قوله : عطفها إلخ ) أي وجملة قوله فصل أي هذا فصل اعتراضية يجوز الفصل بهذا كما صرحوا به ويجوز أن يكون المعطوف عليه مقدرا أي فصل يفعلون ما ذكر ويبيتون وأن تكون الواو استثنائية فيه سم قول المتن ( ويبيتون إلخ ) هل يشترط أن لا يكون مجنونا ولا مغمى عليه وعليه لو بقي جميع النصف مجنونا أو مغمى عليه هل يسقط الدم ؛ لأن كلا من الجنون والإغماء عذر والمبيت يسقط بالعذر بخلاف وقوف عرفة ولا يبعد أن يجعل عذرا لعدم تمكنه منه نعم إن كان له ولي أحرم عنه وجب عليه إحضاره وإلا فعلى الولي الدم سم على حج ( قوله : أحرم عنه إلخ ) يخرج ما لو أحرم بنفسه ثم طرأ عليه الجنون أو الإغماء وقضيته أنه لا دم على الولي إذا لم يحضره فليراجع ع ش عبارة الونائي فيكفي المرور ولو ظنها غير مزدلفة أو بنية غريم أو كان نائما أو مجنونا أو مغمى عليه أو سكرانا وهذا أي الإجزاء من نحو المجنون هو ما جرى عليه عبد الرءوف وقال الشمس الرملي يشترط فيه أن يكون أهلا للعبادة وجمع ابن الجمال بينهما بأن يحمل الأول على غير المتعدي والثاني على المتعدي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وجوبا ) إلى قوله كما صرح به في المغني إلا قوله وعليه كثيرون وكذا في النهاية إلا قوله واختاره السبكي ( قوله : ويحصل بلحظة إلخ ) أي كالوقوف بعرفة نهاية ومغني وفي سم بعد ذكر مثله عن الحاشية ما نصه وقضيته أنه لا ينصرف بالصرف وأنه يجزئ ، وإن قصد آبقا ولم يعلم أنها مزدلفة وينبغي أن يجري ذلك في منى فيحصل المبيت بها ، وإن لم يعلم أنها منى وقصد غير الواجب م ر ا هـ عبارة النهاية ويأتي فيه أي مبيت مزدلفة ما مر في عرفة من جهله بالمكان وحصوله فيه لطلب آبق ونحوه فيما يظهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وعليه يحمل إلخ ) أي على ما صرح به الجمع ( قوله : ثم استشكله ) أي الرافعي اشتراط معظم الليل و ( قوله : وعلى الأول ) أي من عدم اشتراطه المعتمد ( قوله : ولم يرد إلخ ) أي لفظ المبيت ( قوله : [ ص: 114 ] ولأن على الحاج إلخ ) لا يخفى ما في هذا الصنيع بصري عبارة سم هذا تعليل لكون الإحياء بالذكر والدعاء دون غيرهما مما يتعب كالصلاة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فأريح ليلا إلخ ) واقتصر صلى الله عليه وسلم في المزدلفة على صلاة المغرب والعشاء قصرا ورقد بقية الليل مع كونه { عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه ولكنه أراح نفسه الشريفة لما تقدم في عرفة ولما هو بصدده يوم النحر من كونه نحر بيده المباركة ثلاثا وستين بدنة وذهب إلى مكة لطواف الإفاضة ورجع إلى منى فترك صلى الله عليه وسلم قيام الليل بتلك الليلة ونام حتى أصبح } انتهى من المواهب اللدنية ا هـ بصري ( قوله : لم يسن له التنفل إلخ ) وفاقا للأسنى وخلافا للمغني والنهاية بصري عبارتهما ويسن الإكثار في هذه الليلة من التلاوة والذكر والصلاة ا هـ قال الرشيدي قوله م ر والصلاة المراد بالصلاة هنا المعنى اللغوي المرادف للدعاء المار في كلامه م ر ويدل على هذا أنه لم يذكر الدعاء هنا كما ذكره فيما مر أو مراده بالصلاة الرواتب غير النفل المطلق حتى لا ينافي ما مر له وهذا أولى من حمل الشيخ ع ش لها على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم للاستغناء عنها بالذكر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : التنفل المطلق إلخ ) عبارة شرح العباب وإطلاقه أي المجموع الصلاة مستثنى نفلها المطلق للاتباع لما صح { أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد راتبة العشاء إلى طلوع الفجر فكان إحياؤه بالذكر والفكر أفضل } ا هـ وهل المراد براتبة العشاء ما يشمل الوتر لئلا يلزمه فوته سم قول المتن ( بعد نصف الليل ) أي ولم يعد نهاية ومغني ( قوله : بعذر ) إلى قوله وأخذ في المغني وإلى قوله ولك رده في النهاية قول المتن ( وعاد إلخ ) راجع لقوله أو قبله فقط شرح م ر ا هـ سم قول المتن ( ومن لم يكن بها في النصف الثاني ) أي في جميعه بأن لم يكن بها بلحظة منه فالظرف الثاني متعلق بالنفي لا بالمنفي ويحتمل أنه متعلق بالمنفي والمراد بالنصف الثاني جزء منه ( قوله : لكن الأصح إلخ ) عبارة المغني والنهاية وقضية هذا البناء عدم وجوب الدم فيكون مستحبا كما لو ترك المبيت بمنى ليلة عرفة لكن رجح المصنف فيما عدا المنهاج من كتبه الوجوب وقال السبكي إنه المنصوص في الأم والصحيح من جهة المذهب أي ولا يلزم من البناء الاتحاد في الترجيح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : حيث لا عذر إلخ ) أي وأما المعذور بما سيأتي في مبيت منى فلا دم عليه جزما مغني ( قوله : مما يأتي في مبيت منى ) وفي حاشية الإيضاح للشارح وشرحه للجمال الرملي الأوجه مجيء ما ذكر من الأعذار في الجمعة والجماعة هنا كتمريض قريب ونحو صديق لا متعهد له وإن لم يشرف على الموت إلخ وفي الإيعاب يلحق به كل ذي حاجة لها وقع انتهى ا هـ . كردي على بافضل ( قوله : وأخذ منه البلقيني إلخ ) نقله عنه في النهاية وأقره ا هـ بصري ( قوله : أن من شرط مبيته إلخ ) نظير ذلك ما في شرح الروض في الجعالة مما نصه خاتمة لو تولى وظيفة وأكره على عدم مباشرتها أفتى الشيخ تاج الدين الفزاري باستحقاق المعلوم قال الزركشي والظاهر خلافه لأنها جعالة ، وهو لم يباشر انتهى فإفتاء التاج موافق لما قاله البلقيني وبحث الزركشي موافق لرد الشارح سم ( قوله بمدرسة ) أي مثلا و ( قوله : لخوف على محترم ) [ ص: 115 ] أي من نفس أو زوجة أو مال أو نحوها نهاية ( قوله : ما يعلم منه الراجح إلخ ) لم يرد في آخر الجعالة على نقله كلام التاج الفزاري المذكور فيما مر عن شرح الروض وتعقبه بقوله واعتراض الزركشي إلخ يجاب عنه إلخ سم ( قوله : ومن العذر ) إلى قول المتن وحصى الرمي في النهاية إلا قوله ويوجه إلى نعم وقوله أي إن أرادوا إلى المتن وقوله قيل وكذا في المغني إلا قوله بأن وقف إلى نعم ( قوله : ومن العذر هنا إلخ ) ومنه ما لو خافت المرأة طرو الحيض أو النفاس فبادرت إلى مكة للطواف مغني ونهاية وأقول هو واضح لكنه لا حاجة إليه بعد تصريحهم أن الاشتغال بطواف الركن عذر ، وإن لم يضطر إليه بل ربما يوهم خلاف ما صرحوا به بصري زاد ع ش وقد يقال أشار بذكره م ر إلى أنه لا يأتي فيه تنظير الإمام الآتي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : اشتغاله بالوقوف ) وقيده الزركشي بما إذا لم يمكنه الدفع إلى مزدلفة ليلا أي بلا مشقة وإلا وجب جمعا بين الواجبين ، وهو ظاهر نهاية ومغني ( قوله : أو بطواف الإفاضة إلخ ) نظر فيه الإمام بأنه غير مضطر إليه بخلاف الوقوف كذا في النهاية فتبين أنه المشار إلى رده بقول الشارح ، وإن لم يضطر إلخ بصري ( قوله : أو بعده ولم يمر إلخ ) ظاهره ولو مع إمكان المرور منها سم عبارة البصري قد يقال إن كان عدم مروره بها مع عدم تمكنه لنحو خوف فهو العذر أو مع التمكن فهو محل تأمل ؛ لأن إيجاب المرور بها حينئذ أولى من إيجاب العود إليها مع التمكن منه وقد يجاب باختيار الأول وفرض أن الخوف زال بعد المرور في أثناء الليل فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإن لم يضطر إلخ ) معتمد ع ش ( قوله : إليه ) أي الطواف ونائي ( قوله : نعم ينبغي أنه لو فرغ منه إلخ ) ينبغي من الوقوف أو الطواف حتى يشمل المسألتين سم وونائي وتقدم عن النهاية والمغني ما يوافقه




                                                                                                                              الخدمات العلمية