الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويسن ) لكل أحد ( شرب ماء زمزم ) لما في خبر مسلم { أنها مباركة وأنها طعام طعم } أي : فيها قوة الاغتذاء الأيام الكثيرة لكن مع الصدق كما وقع لأبي ذر رضي الله عنه بل نما لحمه وزاد سمنه زاد أبو داود والطيالسي { وشفاء سقم } أي : حسي ، أو معنوي ومن ثم سن لكل أحد شربه وأن يقصد به نيل مطلوباته الدنيوية والأخروية لخبر { ماء زمزم لما شرب له } سنده حسن بل صحيح كما قاله أئمة وبه يرد على من طعن فيه بما لا يجدي [ ص: 144 ] ويسن عند إرادة شربه الاستقبال والجلوس وقيامه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ثم اللهم إنه بلغني أن رسولك محمدا صلى الله عليه وسلم قال { ماء زمزم لما شرب له اللهم إني أشربه لكذا اللهم فافعل لي ذلك بفضلك ثم يسمي الله تعالى ويشربه ويتنفس ثلاثا وأن يتضلع منه } أي : يمتلئ ويكره نفسه عليه لخبر ابن ماجه { آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم } وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره ويسن تحري دخول الكعبة والإكثار منه ، فإن لم يتيسر فما في الحجر منها وأن يكثر الدعاء والصلاة في جوانبها مع غاية من الخضوع والخشوع وغض البصر وأن يكثر من الطواف والصلاة ، وهي أفضل منه ولو للغرباء كما مر وأن يختم القرآن بمكة لأن بها نزل أكثره ومن الاعتمار ، وهو أفضل من الطواف كما مر ( و ) يسن بل قيل يجب وانتصر له والمنازع في طلبها ضال مضل ( زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لكل أحد كما بينت ذلك مع أدلتها وآدابها وجميع ما يتعلق بها في كتاب حافل لم أسبق إلى مثله سميته الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم وقد صح خبر { من زارني وجبت له شفاعتي } ثم اختلف العلماء أيما الأولى في حق مريد الحج تقديمها على الحج أو عكسه والذي يتجه في ذلك أن الأولى لمن مر بالمدينة المشرفة ولمن وصل مكة والوقت متسع والأسباب متوفرة تقديمها ، فإن انتفى شرط من ذلك سن كونها ( بعد فراغ الحج ) وما أوهمته عبارته من قصر ندب الزيارة ، أو هي وما قبلها على الحاج غير مراد ، وإنما المراد أنها للحجيج آكد ؛ لأن تركهم لها وقد أتوا من أقطار بعيدة وقربوا من المدينة قبيح جدا كما يدل له خبر { من حج [ ص: 145 ] ولم يزرني فقد جفاني } ، وإن كان في سنده مقال

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ويسن إلخ ) قال القاضي أبو الطيب قال الشافعي رحمه الله تعالى يسن لمن فرغ من طواف الوداع أن يأتي الملتزم فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار فيجعل اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود ويدعو بما أحب أي بالمأثور وغيره لكن المأثور أفضل ومنه اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى صيرتني في بلدك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك ، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري ويبعد عنه مزاري وهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فأصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني العمل بطاعتك ما أبقيتني وما زاد فحسن وقد زيد فيه واجمع لي خيري الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت حائضا أو نفساء استحب لها الإتيان بجميع ذلك بباب المسجد ثم تمضي ويسن أن يزور الأماكن المشهورة بالفضل بمكة ، وهي ثمانية عشر موضعا وأن يكثر النظر إلى البيت إيمانا واحتسابا لما رواه البيهقي في شعب الإيمان { إن لله في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين } .

                                                                                                                              وحكمة ذلك كما أفادها السراج البلقيني ظاهرة إذ الطائفون جمعوا بين ثلاث طواف وصلاة ونظر فصار لهم بذلك ستون والمصلون فاتهم الطواف فصار لهم أربعون والناظرون فاتهم الطواف والصلاة فصار لهم عشرون ويستحب أن يكثر من الصدقة وأنواع البر والقربات ، فإن الحسنة هناك بمائة ألف حسنة ونقل عن الحسن البصري رضي الله تعالى عنه أنه يستجاب الدعاء في خمسة عشر موضعا بمكة في الطواف والملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وعلى الصفا والمروة وفي السعي وخلف المقام وفيعرفات ومزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الداعي في نسك أو لا نهاية وكذا في المغني إلا قوله م ر وحكمة ذلك إلى ويستحب وقوله م ر وظاهره إلخ قال المغني ولفظ فمن الآن يجوز فيه ضم الميم وتشديد النون ، وهو الأجود وكسر الميم وتخفيف النون مع فتحها وكسرها قاله في المجموع ثم قال منها أي الثمانية عشر بيت المولد وبيت خديجة ومسجد دار الأرقم والغار الذي في ثور والذي في حراء وقد أوضحها المصنف في مناسكه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو معنوي ) أي كالذنوب ونائي .

                                                                                                                              ( قوله : وأن يقصد به نيل مطلوباته إلخ ) فقد شربه جماعة من العلماء فنالوا مطلوبهم ويسن الدخول إلى البئر والنظر فيه وأن ينزع منها بالدلو الذي [ ص: 144 ] عليها ويشرب وأن ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره قاله الماوردي نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله : ويسن ) إلى المتن في المغني إلا قوله وقيامه إلى ثم اللهم وكذا في النهاية إلا قوله لخبر ابن ماجه إلى وأن ينقله ( قوله : لبيان الجواز ) أي أو للازدحام ونائي زاد المناوي في شرح الشمائل وابتلال المكان مع احتمال النسخ فقد روي عن جابر أنه لما سمع رواية من روى أنه شرب قائما قال قد رأيته صنع ذلك ثم سمعته بعد ذلك ينهى عنه وحيث علمت أنه فعله لبيان الجواز عرفت سقوط قول البعض أنه يسن الشرب من زمزم قائما اتباعا له وزعم أن النهي مطلق وشربه من زمزم مقيد فلم يتواردا على محل واحد رد بأنه ليس النهي مطلقا بل عام فالشرب من زمزم قائما من أفراده فدخل تحت النهي فوجب حمله على أنه لبيان الجواز ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ثم اللهم إنه إلخ ) أي ثم أن يقول اللهم إلخ وكان ابن عباس إذا شربه يقول اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء نهاية زاد المغني وقال الحاكم صحيح الإسناد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : { ماء زمزم لما شرب له } ) هل هو شامل لما لو شربه بغير محله ع ش أي كما هو ظاهر إطلاق الحديث .

                                                                                                                              ( قوله : اللهم إني أشربه لكذا إلخ ) ويذكر ما يريد دينا ودنيا نهاية ومغني قال ع ش ظاهره أن ذلك خاص بالشارب نفسه فلا يتعداه إلى غيره ويحتمل تعدي ذلك إلى الغير فإذا شربه إنسان بقصد ولده وأخيه مثلا حصل له ذلك المطلوب ولا مانع منه إذا شربه بنية صادقة ونقل عن شيخنا العلامة الشوبري ما يخالف ما ذكرناه فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويشربه ) أي مصا ، فإن العب يورث وجع الكبد ونائي ( قوله : ويتنفس ثلاثا ) أي ويحمد بعد كل نفس كما يسمي أول كل شرب وقال السيد الشلي والأولى شربه لشفاء قلبه من الأخلاق الذميمة ولتحليته بالأخلاق العلية ا هـ ثم يعود إلى الحجر فيستلمه ويقبله ثلاثا ويسجد عليه كذلك ثم ينصرف كالمتحزن تلقاء وجهه مستدبر البيت ولا يمشي القهقرى ولا منحرفا ولا ملتفتا ونائي وعبارة النهاية ويسن أن ينصرف تلقاء وجهه مستدبر البيت كما صححه المصنف في مجموعه ويكثر الالتفات إلى أن يغيب عنه كالمتحزن المتأسف على فراقه ويقول عند خروجه من مكة الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير آيبون عابدون ساجدون لربنا حامدون وصدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ا هـ وكذا في المغني إلا أنه ضعف سن الالتفات فقال وقيل يخرج ، وهو ينظر إليه إلى أن يغيب عنه مبالغة في تعظيمه وجرى على ذلك صاحب التنبيه وقيل يلتفت إليه بوجهه ما أمكنه كالمتحزن على فراقه وجرى على ذلك ابن المقري ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأن يتضلع إلخ ) معطوف على شرب ماء زمزم .

                                                                                                                              ( قوله : ويسن إلخ ) أي لكل أحد حتى النساء اتفاقا ولو لغير حاج ومعتمر ونائي .

                                                                                                                              ( قوله : ) ( ويسن تحري دخول الكعبة ) أي ما لم يؤذ أو يتأذ بزحام أو غيره وأن يكون حافيا وأن لا يرفع بصره إلى سقفه ولا ينظر إلى أرضه تعظيما لله تعالى وحياء منه وأن يصلي فيه ولو ركعتين والأفضل أن يقصد مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمشي بعد دخوله الباب حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله : وأن يكثر إلخ ) أي في داخل الكعبة .

                                                                                                                              ( قوله : وغض البصر ) أي من النظر إلى سقفه أو أرضه .

                                                                                                                              ( قوله : والمنازع إلخ ) ، وهو ابن تيمية ومن تبعه من الفرقة الضالة المشهورة في زمننا بالوهابية خذلهم الله تعالى .

                                                                                                                              ( قوله : وما أوهمته ) إلى الفصل في النهاية والمغني إلا قوله ، وإن كان في سنده مقال .

                                                                                                                              ( قوله : أنها للحجيج آكد ) وحكم المعتمر كالحاج في تأكدها له وتسن زيارة بيت المقدس وزيارة الخليل صلى الله عليه وسلم ويسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ويزيد فيهما إذا أبصر أشجارها مثلا ويسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة ويتقبلها منه وأن يغتسل قبل دخوله كما مر ويلبس أنظف ثيابه فإذا دخل المسجد قصد الروضة ، وهي ما بين القبر والمنبر وصلى تحية المسجد بجنب المنبر وشكر الله تعالى بعد فراغهما على هذه النعمة ثم يأتي القبر الشريف فيستقبل رأسه ويستدبر القبلة ويبعد عنه نحو أربعة أذرع ويقف ناظرا إلى أسفل ما يستقبله في مقام الهيبة والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم [ ص: 145 ] لخبر { ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام } وأقل السلام عليه السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ولا يرفع صوته تأدبا معه صلى الله عليه وسلم كما كان في حياته ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فإن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                              ثم يتأخر قدر ذراع آخر فيسلم على عمر رضي الله عنه كما رواه البيهقي عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفره دخل المسجد ثم أتى القبر الشريف فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه وليستشفع به إلى ربه ثم يستقبل القبلة ويدعو لنفسه ولمن شاء من المسلمين وأن يأتي سائر المشاهد بالمدينة ، وهي نحو ثلاثين موضعا يعرفها أهل المدينة ويسن زيارة البقيع وقباء ويأتي بئر أريس فيشرب منها ويتوضأ وكذلك بقية الآبار السبعة وقد نظمها بعضهم فقال

                                                                                                                              أريس وغرس رومة وبضاعة كذا بصة قل بئر حاء مع العهن

                                                                                                                              وينبغي المحافظة على الصلاة في مسجده الذي كان في زمنه فالصلاة فيه بألف صلاة وليحذر من الطواف بقبره عليه الصلاة والسلام ومن الصلاة داخل الحجرة بقصد تعظيمه ويكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر كراهة شديدة ومسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد عنه كما لو كان بحضرته صلى الله عليه وسلم في حياته ويسن أن يصوم بالمدينة ما أمكنه وأن يتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم المقيمين والغرباء بما أمكنه .

                                                                                                                              وإذا أراد السفر استحب أن يودع المسجد بركعتين ويأتي القبر الشريف ويعيد السلام الأول ويقول اللهم لا تجعله آخر العهد من حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسر لي العود إلى الحرمين سبيلا سهلا وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة وردنا إلى أهلنا سالمين غانمين وينصرف تلقاء وجهه ولا يمشي القهقرى ولا يجوز لأحد استصحاب شيء من الأكر المعمولة من تراب الحرمين ولا من الأباريق والكيزان المعمولة من ذلك ومن البدع تقرب العوام بأكل التمر الصيحاني في الروضة نهاية ومغني قال ع ش قوله م ر إلا رد الله علي روحي أي نطقي فلا يرد أن الأنبياء أحياء في قبورهم وقوله م ر وتقبيله ظاهره ، وإن قصد به التعظيم لكن مر في الجنائز بعد نقل كراهة تقبيل التابوت ما نصه نعم إن قصد بتقبيل أضرحتهم التبرك لم يكره كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى فيحتمل مجيء ذلك هنا ويحتمل الفرق بأنهم حافظوا على التباعد عن التشبه بالنصارى هنا حيث بالغوا في تعظيم عيسى حتى ادعوا فيه ما ادعوا ومن ثم حذروا كل التحذير من الصلاة داخل الحجرة بقصد التعظيم ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية