الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  740 162 - حدثنا مسدد قال : حدثنا إسماعيل قال : حدثنا أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر وسكت فيما أمر وما كان ربك نسيا ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تظهر من قوله : " قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر " لأن معناه جهر بالقراءة فيما أمر بالقراءة ، وإنما صح أن يقال معنى قرأ جهر بالقراءة ; لأن معنى قسيمه وهو قوله : " سكت فيما أمر “ أي أسر فيما أمر بإسرار القراءة ، ولا يقال معنى سكت ترك القراءة لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزال إماما ، فلا بد له من القراءة سرا أو جهرا ، وقد تظاهرت الأخبار وتواترت [ ص: 39 ] الآثار أنه كان يجهر في أولى العشاء والمغرب وفي الصبح ، فناسب الحديث الترجمة من حيث إن الفجر داخل في الذي جهر فيه ، ومما يؤكد ما قلنا قول ابن عباس في آخر الحديث : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " لأنه قد ثبت بالروايات أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح جهرا ، فهو كان مأمورا بالجهر ونحن مأمورون بالأسوة به ، فبين لنا الجهر وهو المطلوب ، فإن قلت : قال الإسماعيلي : إيراد حديث ابن عباس هاهنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة في الصلاة لأن مذهب ابن عباس ترك القراءة في السرية ، قلت : لا نسلم المغايرة المذكورة ، بل إيراد هذا الحديث يدل على إثبات ذلك لأنه احتج على ما ذكره في صدر الحديث بما ذكره في آخره من وجوب الايتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه ، وقد ورد عنه الجهر والإسرار على أنه قد روى عنه أبو العالية البراء ثبوت القراءة في الظهر والعصر على خلاف ما روي عنه من نفي القراءة فيهما ، وقد ذكرناه مستقصى فيما مضى .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله : وهم خمسة ; الأول : مسدد ، الثاني : إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية ، الثالث : أيوب السختياني ، الرابع : عكرمة مولى ابن عباس ، الخامس : عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي ومدني ، وهذا الحديث من أفراد البخاري .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه . قوله : " فيما أمر " بضم الهمزة ، والآمر هو الله تعالى . قوله : " نسيا " بفتح النون وكسر السين وتشديد الياء ، وأصله نسيي بياءين على وزن فعيل فأدغمت الياء في الياء ، وفعيل هنا بمعنى فاعل أي وما كان ربك نسيا أي تاركا لأن النسيان في اللغة الترك ، قاله أبو عبيدة ، قال الله تعالى : نسوا الله فنسيهم وقال تعالى : ولا تنسوا الفضل بينكم وقال الكرماني : فإن قلت : هذا الكلام من أي الأساليب إذ النسيان ممتنع على الله تعالى ؟ قلت : هو من أسلوب التجوز أطلق الملزوم وأراد اللازم إذ نسيان الشيء مستلزم لتركه انتهى ، قلت : هذا الذي قاله إنما يمشي إذا كان من النسيان الذي هو خلاف الذكر على ما لا يخفى ، وقال أيضا : لم ما قلت إنه كناية ؟ ثم أجاب بأن شرط الكناية إمكان إرادة معناه الأصلي ، وهنا ممتنع ، وشرطها أيضا المساواة في اللزوم ، وهاهنا الترك ليس مستلزما للنسيان إذ قد يكون الترك بالعمد ، هذا عند أهل المعاني ، وأما عند الأصولي فالكناية أيضا نوع من المجاز ، قلت : على ما ذكره أهل الأصول يجوز الوجهان ، وقال الخطابي : لو شاء لله أن يترك بيان أحوال الصلاة وأقوالها حتى يكون قرآنا متلوا لفعل ، ولم يتركه عن نسيان ولكنه وكل الأمر في ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم ثم أمرنا بالاقتداء به ، وهو معنى قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم : لتبين للناس ما نـزل إليهم ولم تختلف الأمة في أن أفعاله التي هي بيان مجمل الكتاب واجبة كما لم يختلفوا في أن أفعاله التي هي من نوم وطعام وشبههما غير واجبة ، وإنما اختلفوا في أفعاله التي تتصل بأمر الشريعة مما ليس ببيان مجمل الكتاب ، فالذي يختار أنها واجبة . قوله : " أسوة " بضم الهمزة وكسرها قرئ بهما ومعناها القدوة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية