الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  742 163 - حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا وائل قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال : هذا كهذ الشعر ، لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الأول من الترجمة ، وهو الجمع بين السورتين في ركعة ، فقوله : “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن " إلى آخره يدل على ذلك ، وليس في هذا الباب حديث موصول غير هذا ، فلذلك صدرت الترجمة بالجزء الذي دل عليه .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله : وهم خمسة ; الأول : آدم بن إياس وشعبة بن الحجاج وعمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله الكوفي الأعمى ، وأبو وائل شقيق بن سلمة .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه السماع ، وفيه القول في أربعة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين عسقلاني وواسطي وكوفي .

                                                                                                                                                                                  ذكر من أخرجه غيره : أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار كلاهما ، عن غندر ، وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد بن الحارث .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه . قوله : " جاء رجل " هو نهيك بن سنان البجلي سماه منصور في روايته ، عن أبي وائل عند مسلم ، ونهيك بفتح النون وكسر الهاء وسنان بكسر السين المهملة وبنونين بينهما ألف . قوله : " المفصل " قد مر غير مرة أن المفصل من سورة القتال أو الفتح أو الحجرات أو قاف إلى آخر القرآن . قوله : " هذا " بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة من هذ يهذ هذا ، وفي التهذيب للأزهري الهذ سرعة القطع وسرعة القراءة ، وقال ابن التياني : هذه القراءة سردها وانتصابه على المصدرية والتقدير انهذ هذا ، وحرف الاستفهام فيه محذوف تقديره أهذا والاستفهام على سبيل الإنكار ، وهي ثابتة في رواية منصور عند مسلم ، وإنما قال ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر ، وقال المهلب : إنما أنكر عليه عدم التدبر وترك الترسل لا جواز الفعل . قوله : " النظائر " جمع نظيرة ، وهي السورة التي يشبه بعضها بعضا في الطول والقصر ، وقال صاحب التلويح : النظائر المتماثلة في العدد ، والمراد هنا المتقاربة لأن الدخان ستون آية وعم يتساءلون أربعون آية ، وقال بعضهم : النظائر السور المتماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص لا المتماثلة في عدد الآي ، ثم قال المحب الطبري : كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العدد حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساويا ، قلت : هذا الذي قاله هذا القائل من أن المراد من النظائر السور المتماثلة في المعاني إلى آخره ليس كذلك ولا دخل للتماثل في المعاني في هذا الموضع ، وإنما المراد التقارب في المقدار ، والذي يدل على هذا ما رواه الطحاوي ، حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا هشام بن عبد الملك قال : حدثنا أبو عوانة ، عن حصين قال : أخبرني إبراهيم ، عن نهيك بن سنان [ ص: 45 ] السلمي أنه أتى عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : أهذا مثل هذ الشعر أو نثرا مثل نثر الدقل ، وإنما فصل لتفصلوه ، لقد علمنا النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن عشرين سورة الرحمن والنجم على تأليف ابن مسعود ، كل سورتين في ركعة ، وذكر الدخان وعم يتساءلون في ركعة ، فقلت لإبراهيم : أرأيت ما دون ذلك كيف أصنع ؟ قال : ربما قرأت أربعا في ركعة انتهى ، وهذا ينادي بأعلى صوته إن المراد من النظائر السور المتقاربة في المقدار لا في المعاني لأنه ذكر فيه الرحمن والنجم وهما متقاربان في المقدار ; لأن الرحمن ست وسبعون آية والنجم ثنتان وستون آية وهي قريبة من سورة الرحمن في كونهما من النظائر ، وكذا ذكر فيه الدخان وعم يتساءلون فإنهما أيضا متقاربان في المقدار ، فإن الدخان سبع أو تسع وخمسون آية وعم يتساءلون أربعون أو إحدى وأربعون آية ، وقوله : “ فقلت لإبراهيم : أرأيت ما دون ذلك كيف أصنع " معناه ما دون السور الأربع المذكورة في المقدار وهو الطول والقصر ، كيف أصنع ؟ قال : ربما قرأت أربعا ، أي أربع سور من السور التي هي أقصر في المقدار من السور المذكورة التي هي الرحمن والنجم والدخان وعم يتساءلون . قوله : " على تأليف ابن مسعود " أراد به أن سورة النجم كانت بحذاء سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود بخلاف مصحف عثمان . قوله : " في لفظه “ أي البخاري يقرن بينهن أي بين النظائر ، ويقرن بضم الراء وكسرها . قوله : " فذكر عشرين سورة " أي فذكر ابن مسعود عشرين سورة التي هي النظائر ، ولكن لم يفسرها هاهنا وقد فسرها في رواية أبي داود ، قال : حدثنا عباد بن موسى ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة والأسود قالا : أتى ابن مسعود رجل فقال : إني أقرأ المفصل في ركعة فقال : أهذا كهذ الشعر ونثرا كنثر الدقل ; لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن النظائر ، السورتين في ركعة ، الرحمن والنجم في ركعة ، واقتربت والحاقة في ركعة ، والذاريات والطور في ركعة ، والواقعة والنون في ركعة ، وسأل والنازعات في ركعة ، وويل للمطففين وعبس في ركعة ، والمدثر والمزمل في ركعة ، وهل أتى ولا أقسم في ركعة ، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة ، وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة ، فإن قلت : الدخان ليست من المفصل فكيف عدها من المفصل ؟ قلت : فيه تجوز ، فلذلك قال في فضائل القرآن من رواية واصل ، عن أبي وائل ، ثماني عشرة سورة من المفصل ، وسورتين من آل حم حيث أخرج الدخان من المفصل ، والتقدير فيه وسورتين إحداهما من آل حم حتى لا يشكل هذا أيضا .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه النهي عن الهذ ، وفيه الحث على الترسل والتدبر وبه قال جمهور العلماء ، وقال القاضي : وأباحت طائفة قليلة الهذ ، وفيه جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها والأولى التساوي فيهما إلا في الصبح فالأفضل فيه تطويل الركعة الأولى على الثانية وقد ذكرناه مع الخلاف فيه ، وفيه جواز الجمع بين السور لأنه إذا جاز الجمع بين السورتين فكذلك يجوز بين السور ، والدليل عليه حديث عائشة حين سألها عبد الله بن شقيق " أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور ؟ قالت : نعم ، من المفصل " ولا يخالف هذا ما جاء في التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال لأنه كان نادرا ، وقال عياض في حديث ابن مسعود : هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا ، وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترسل ، وأما ما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها في ركعة فكان نادرا ، وقال بعضهم : ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل انتهى ، قلت : آخر كلامه ينقض أوله لأن لفظة كان تدل على الاستمرار ، وهو يدل على المواظبة ، وقال الكرماني : وفيه دليل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل كانت عشر ركعات ، وكان يوتر بواحدة ، قلت : لا نسلم أن ظاهر الحديث يدل على هذا ، ولئن سلمنا ما قاله ، ولكن من أين يدل على أن وتره كان ركعة واحدة بل كان ثلاث ركعات لأنه كان يصلي ثمان ركعات ركعتين ركعتين ثم يصلي ثلاث ركعات أخرى بتسليمة واحدة في آخرهن ، فهذه هي وتره صلى الله تعالى عليه وسلم وسيجيء تحقيق هذا في أبواب الوتر إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية