الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 196 ] وأما سورة الكوثر

                                                          فأخبرني بها الشيخ الرحلة أبو عمر محمد بن أحمد بن عبد الله بن قدامة المقدمي الحنبلي بقراءتي عليه بسفح قاسيون في دير الحنابلة ظاهر دمشق المحروسة قال : أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي قراءة عليه بالسفح أيضا ظاهر دمشق ، أخبرنا أبو علي حنبل بن عبد الله الحنبلي قراءة عليه ظاهر دمشق من السفح ، أخبرنا هبة الله بن الحصين الحنبلي قراءة عليه ببغداد مدينة السلام ، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب الحنبلي قراءة ببغداد ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي الحنبلي ببغداد ، أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد قال : حدثني أبي ببغداد ، ( ثنا ) محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : أغفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إغفاءة فرفع رأسه متبسما - إما - قال لهم - وإما - قالوا : له : لم ضحكت ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ، يعني بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر حتى ختمها قال : هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : هو نهر أعطانيه ربي - عز وجل - في الجنة ، عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول : يا رب إنه من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ ، وأبو داود والنسائي من طريق محمد بن فضيل وعلي بن مسهر كلاهما على المختار بن فلفل عن أنس .

                                                          وهذا الحديث يدل على أن البسملة نزلت مع السورة ، وفي كونها منها ، أو في أولها احتمال ، وقد يدل على أن هذه السورة مدنية ، وقد أجمع من نعرفه من علماء العدد والنزول على أنها مكية ، والله سبحانه وتعالى أعلم - وأما الحديث - فمنه ما أخبرني به غير واحد من الشيوخ الثقات المسندين منهم الأصيل الرئيس الكبير أبو عبد الله محمد بن موسى بن سليمان الأنصاري قراءة عليه في يوم السبت [ ص: 197 ] ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ثمان وستين وسبعمائة بدار الحديث الأشرفية داخل دمشق قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي قراءة عليه وأنا أسمع بسفح قاسيون قال : أخبرنا الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي وغيره ، أخبرنا القاضي ، أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي الفقيه ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن ماسي . ثنا أبو مسلم الكجي ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا حميد عن أنس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انصر أخاك ظالما أو مظلوما . قال : قلت : يا رسول الله أنصره مظلوما ، فكيف أنصره ظالما ؟ قال : تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه . هذا حديث متفق عليه عنه أخرجه البخاري في صحيحه عن مسدد عن معتمر بن سليمان بن حميد عن أنس به ، فكأن شيوخنا سمعوه من الكشميهني وأخرجه الترمذي عن محمد بن حاتم المؤدب عن محمد بن عبد الله الأنصاري كما أخرجناه ، وقال : حديث حسن صحيح . فوقع لنا سندا عاليا جدا حتى كأنا سمعناه من أصحاب أبي الفتح الكروخي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، فبيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عشرة رجال ثقة عدول ، وهذا سند لم يوجد اليوم في الدنيا أعلى منه وأقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعيناي عاشر عين رأت من رأى النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                          وإنما ذكرت هذه الطرق ، وإن كنت خرجت عن مقصود الكتاب ليعلم مقدار علو الإسناد ، وإنه كما قال يحيى بن معين - رحمة الله عليه - : الإسناد العالي قربة إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وروينا عنه أنه قيل له في مرض موته : ما تشتهي ؟ فقال : بيت خال وإسناد عال . وقال أحمد بن حنبل : الإسناد العالي سنة عمن سلف . وقد رحل جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - من المدينة إلى مصر لحديث واحد بلغه عن مسلمة بن مخلد ولا يقال : إنما رحل [ ص: 198 ] لشكه في رواية من رواه له عنه فأراد تحقيقه ; لأنه لو لم يصدق الراوي لم يرحل من أجل حديثه ، ولهذا قال العلماء : إن الإسناد خصيصة لهذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة ، وطلب العلو فيه سنة مرغوب فيها ، ولهذا لم يكن لأمة من الأمم أن تسند عن نبيها إسنادا متصلا غير هذه الأمة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية