الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1737 1739 - مالك ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال : كنت جالسا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق ، فأتاه قوم [ ص: 334 ] من أهل المدينة على دواب ، فنزلوا عنده قال حميد ، فقال أبو هريرة : اذهب إلى أمي فقل : إن ابنك يقرئك السلام ويقول : أطعمينا شيئا قال : فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة ، وشيئا من زيت وملح ، ثم وضعتها على رأسي ، وحملتها إليهم ، فلما وضعتها بين أيديهم ، كبر أبو هريرة وقال : الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر ، فلم يصب القوم من الطعام شيئا ، فلما انصرفوا قال : يابن أخي ، أحسن إلى غنمك ، وامسح الرعام عنها ، وأطب مراحها ، وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة ، والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        39844 - قال أبو عمر : في هذا الخبر ما كانوا عليه من إتحاف الضيف النازل بهم والقادم عليهم والداخل إليهم ، بما يسر من الطعام ، وهذا عند الجميع منهم كان معهودا بالسنة المعمول بها ، والمقدم إليهم بالخيار ، إن قدر على الأكل أكل ، وإلا فلا حرج .

                                                                                                                        39845 - ومن حسن الآداب أن يأكل منه ما قدر عليه لتطيب بذلك نفس الذي قدمه إليه .

                                                                                                                        [ ص: 335 ] 39846 - وأما قوله : أحسن إلى غنمك فالإحسان إليه ، ارتياد الراعي الحائط لها المتبع بها موضع الكلأ وجيد المرعى .

                                                                                                                        39847 - وقوله امسح الرعام ، فالرعام ما يسيل من أنوفها من المخاط .

                                                                                                                        9848 - وقوله : أطب مراحها . يريد بالكنس ، وإبعاد الطين ، وإزاحة الوسخ عنه ، والمراح الموضع الذي تأوي إليه ليلا أو نهارا .

                                                                                                                        39849 - وقوله : صل في ناحيتها فمأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " صلوا في مراح الغنم " .

                                                                                                                        39850 - وهذا أمر معناه الإباحة عند الجميع لأن المساجد أولى من مراح الغنم بالصلاة ، وفي إباحة الصلاة في مراحها دليل على إباحة بولها وبعرها .

                                                                                                                        39851 - وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك [ وفي معنى النهي عن الصلاة في أعطان الإبل ] في كتاب الصلاة .

                                                                                                                        39852 - تقول العرب : مراح الغنم ، وعطن الإبل ، ومرابض البقر كل ذلك في الموضع الذي تأوي إليه .

                                                                                                                        39853 - وقد قيل : إن عطن الإبل موضع انصرافها ومناخها عن السقي ، [ ص: 336 ] والثلة من الغنم ، قيل : المائة ونحوها ، ودار مروان بن الحكم أشرف دار بالمدينة كانت ، ولذلك ضربت بها العرب المثل .

                                                                                                                        39854 - قال الشاعر :


                                                                                                                        ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة ، إلا دار مروان



                                                                                                                        39855 - وفي هذا الخبر دليل على أن الحديث بالحدثان مباح إذا صح عند المخبر به بأي وجه كان ، ودليل أيضا على أن المدن تكثر فيها الفتن ، والتقاتل على الدنيا حتى تفسد وتهلك ، ويكون الفرار منها إلى القفار والشعاب ، بقطائع الغنم كما قال صلى الله عليه وسلم : " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية