الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1647 1646 - ذكر مالك عن يونس بن يوسف ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي أيوب الأنصاري أنه وجد غلمانا قد ألجئوا ثعلبا إلى زاوية ، فطردهم عنه .

                                                                                                                        قال مالك : لا أعلم إلا أنه قال : أفي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع هذا ؟ .

                                                                                                                        1647 - مالك عن رجل قال : دخل علي زيد بن ثابت وأنا بالأسواف قد اصطدت نهسا فأخذه من يدي فأرسله .

                                                                                                                        [ ص: 40 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 40 ] 38616 - قال أبو عمر : الأسواف موضع بناحية البقيع من المدينة ، وهو موضع صدقة زيد بن ثابت وماله .

                                                                                                                        38617 - والنهس : طائر يقال : إنه الصرد . وقيل : إنه يشبه الصرد ، وليس بالصرد وهو أصغر من الصرد ، مثل القطامي والباشق . وقيل : إنه اليمام والله أعلم .

                                                                                                                        38617 م - ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثني إسماعيل بن أويس قال : حدثني أبي ، عن شرحبيل بن سعد ، أنه خرج هو وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت بحبالتين لهما إلى الأسواف ، صدقة زيد بن ثابت قال : ونحن غلمان ، فصاد عبد الرحمن طائرا قال له : النهس ، فشكله قال : فدق زيد بن ثابت باب الحائط ، فناولني عبد الرحمن النهس ، فدخل زيد بن ثابت ، فرأى معي النهس ، فقال : أصدتم هذا ؟ فقلت : نعم . فقال : ناولنيها ، فناولته إياه ، فحل شكاله ، وسوى ريشه ، ثم أرسله ، ثم تناول يدي فصك قفاي ، ثم قال : يا خبيث ، أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصاد بين لابتي المدينة ؟ .

                                                                                                                        38618 - قال أبو عمر : والرجل الذي لم يسمه مالك في حديث زيد بن ثابت يقولون : هو شرحبيل بن سعد ، كان مالك لا يرضاه ، فلم يسمه ، [ ص: 41 ] والحديث محفوظ لشرحبيل بن سعد من وجوه .

                                                                                                                        38619 - ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثني نصر بن علي قال : أخبرنا الأصمعي قال : أخبرنا مالك ، عن رجل قال أصبت نهسا بالأسواف ، فأخذه زيد بن ثابت فأرسله .

                                                                                                                        38620 - قال الأصمعي : فحدثت به نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، فقال : ذلك شرحبيل بن سعد ، أنا سمعته منه .

                                                                                                                        38621 - قال إسماعيل : وحدثني مسدد قال : حدثني حماد بن زيد ، عن عبد الله بن عمر ، عن شرحبيل بن سعد قال : أصبت طائرا بالمدينة ، فرآني زيد بن ثابت ، فانتزعه مني فأرسله .

                                                                                                                        38622 - قال إسماعيل : وحدثني علي ابن المديني قال حدثني سفيان ، عن زياد بن سعد الخراساني قال : سمعت شرحبيل بن سعد يقول : أتانا زيد بن ثابت ونحن غلمان نلعب في حائط له ومعنا فخاخ ننصب بها ، فصاح بنا وطردنا ، وقال : ألم تعلموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم صيدها يعني المدينة .

                                                                                                                        38623 - قال إسماعيل وحدثني إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثني ابن أبي الزناد ، عن شرحبيل بن سعد أن زيد بن ثابت وجده قد اصطاد [ ص: 42 ] طائرا يقال له : نهس في الأسواف قال : فأخذه مني فأرسله وضربني ، وقال : يا عدو الله ، أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم ما بين لابتيها يعني المدينة .

                                                                                                                        38624 - قال إسماعيل : قال مالك : تحريم الصيد ما بين لابتي المدينة ، وتحريم الشجر بريد في بريد .

                                                                                                                        38625 - ومن غير رواية مالك في تحريم المدينة روى سليمان بن بلال ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن زينب بنت كعب بن عجرة ، عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم ما بين لابتي المدينة ، وأنه حرم شجرها أن يعضد .

                                                                                                                        38626 - قالت زينب : فكان أبو سعيد يضرب بنيه إذا صادوا فيها ، ويرسل الصيد .

                                                                                                                        38627 - وروى سعد بن أبي وقاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من وجدتموه يصيد في حدود المدينة ، أو يقطع شجرها ، فخذوا سلبه " . وأخذ سعد سلب من فعل ذلك .

                                                                                                                        38628 - قال أبو عمر : هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فهموا معنى تحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمدينة ، واستعملوا ذلك ، وأمروا به ، فأين المذهب عنهم ؟ بل الرشد كله في اتباعهم ، واتباع السنة التي نقلوها وفهموها وعملوا بها .

                                                                                                                        38629 - وقال مالك : لا يقتل الجراد في حرم المدينة ، وكان يكره ما قتل الحلال من صيد المدينة .

                                                                                                                        38630 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : صيد المدينة غير محرم ، وكذلك قطع شجرها .

                                                                                                                        [ ص: 43 ] 38631 - واحتج الطحاوي لهم بحديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل دارهم فقال : " يا أبا عمير ، ما فعل النغير ؟ " . وأبو عمير أخ صغير كان لأنس وكان له نغر يلعب به .

                                                                                                                        38632 - وهذا لا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون النغر صيد في غير حرم المدينة .

                                                                                                                        38633 - واحتج أيضا بحديث يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن عائشة ، قالت : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحش ، فإذا خرج لعب واشتد ، وأقبل وأدبر ، فإذا أحس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربض ولم يتزمزم كراهية أن يؤذيه .

                                                                                                                        38634 - وهذا الحديث أيضا معناه معنى حديث أبي عمير في النغير .

                                                                                                                        38635 - وأما حجة من احتج لسقوط التحريم لصيد المدينة بسقوط الجزاء في صيدها ففاسدة ؛ لأن الجزاء فيما ذكره العلماء ، لم يكن في صيد مكة إلا على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، ولم يكن على من كان من قبلنا جزاء في صيد مكة ، ونزعوا بقول الله تعالى : " ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد " [ المائدة : 94 ] . وقوله : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " [ سورة المائدة : الآية 95 ] .




                                                                                                                        الخدمات العلمية