الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4467 [ 2344 ] وعنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك فقال: " اللهم هالة بنت خويلد ! ". فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، فأبدلك الله خيرا منها !.

                                                                                              رواه مسلم (2437) (78).

                                                                                              [ 2345 ] وعنها قالت: لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت.

                                                                                              رواه مسلم (2436) (77).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قولها: " فعرف استئذان خديجة ") أي: تذكر - عند استئذان هالة - خديجة ، وكأن نغمة هالة كانت تشبه نغمة خديجة ، وأصل هذا كله: أن من أحب محبوبا أحب محبوباته، وما يتعلق به وما يشبهه.

                                                                                              و (قوله: " اللهم ! هالة ") يجوز في هالة الرفع على خبر الابتداء، أي: هذه [ ص: 318 ] هالة فأكرمها وأحسن إليها. والنصب على إضمار فعل، أي: أكرم هالة واحفظها، وما أشبه ذلك من التقدير الذي يليق بالمعنى.

                                                                                              و (قول عائشة - رضي الله عنها -: " وما تذكر من عجوز من عجائز قريش ... " الحديث، قول أخرجه من عائشة فرط الغيرة، وخفة الشباب، والدلال، ولذلك لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مما قالت، وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث: أن الغيرى لا تؤاخذ بما يصدر عنها في حال غيرتها، وليس ذلك أخذا صحيحا؛ لأن الغيرة هنا جزء السبب، لا كل السبب، وذلك أن عائشة - رضي الله عنها - اجتمع فيها تلك الأمور الثلاثة: الغيرة والشباب - ولعل ذلك كان قبل بلوغها - والدلال، وذلك أنها: كانت أحب نسائه إليه بعد خديجة ، فإحالة الصفح عنها على بعض هذه الأمور تحكم، لا يقال: إنما يصح إسناد الصفح إلى الغيرة، لأنها هي التي نصت عليها عائشة فقالت: فغرت، لأنا نقول: لو سلمنا أن غيرتها وحدها أخرجت منها ذلك القول لما لزم أن تكون غيرتها وحدها هي الموجبة للصفح عنها، بل يحتمل: أن تكون الغيرة وحدها، ويحتمل أن تعتبر باقي الأوصاف، لا سيما ولم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على المسقط ما هو، فبقي الأمر محتملا للأمرين، فلا تكون فيه حجة على ذلك، والله تعالى أعلم.

                                                                                              و (قولها: " حمراء الشدقين ") قيل معناه: أنها بيضاء الشدقين، والعرب تسمي الأبيض: أحمر، كراهة في اسم البياض؛ لأنه يشبه البرص، وهذا كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : " يا حميراء ! لا تأكلي الطين فإنه يذهب بهاء الوجه " يعني: يا بيضاء.

                                                                                              [ ص: 319 ] قلت: وهذا فيه بعد في هذا الموضع، فلو كان الأمر كذلك لقالت عائشة بدل: حمراء الشدقين: بيضاء الشدقين، فإنه كان يكون أبلغ في التقبيح، وعائشة إنما ذكرت هذا الكلام تقبيحا لمحاسن خديجة وتزهيدا فيها، وإنما معنى هذا عندي - والله أعلم - أنها نسبتها إلى حمراء الشدقين من الكبر، وذلك: أن من جاوز سن الكهولة، ولحق سن الشيخوخة، وكان قويا في بدنه صحيحا غلب على لونه الحمرة المائلة إلى السمرة، والله تعالى أعلم.

                                                                                              و (قولها: " قد أبدلك الله خيرا منها ") تعني بخير: أجمل وأشب - وتعني نفسها -، لا أنها خير منها عند الله، وعند رسوله؛ لما تقدم من الأحاديث التي ذكرناها في صدر الكلام، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت: يدل على عظيم قدرها عنده، ومحبته لها، وعلى فضل خديجة أيضا، لأنها اختصت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشاركها فيه أحد، صيانة لقلبها من التغيير والغيرة، ومن مناكدة الضرة.




                                                                                              الخدمات العلمية