الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4553 (66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

                                                                                              [ 2405 ] عن أبي موسى قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعرابي فقال : ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر ! فقال له الأعرابي : أكثرت علي من أبشر ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال : إن هذا قد رد البشرى ، فاقبلا أنتما ! فقالا : قبلنا يا رسول الله ! ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال : اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ، وأبشرا ! فأخذا القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادتهما أم سلمة من وراء الستر : أفضلا لأمكما مما في إنائكما ! فأفضلا لها منه طائفة .

                                                                                              رواه البخاري (4328)، ومسلم (2497).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (66) ومن باب فضائل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

                                                                                              واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار - بفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة المشددة ، ويقال حضار بكسر الحاء وتخفيف الضاد ، من ولد الأشعر وهو نبت بن أدد ، وقيل : من ولد الأشعر بن سبأ أخي حمير . قال أبو عمر : ذكرت طائفة أن أبا موسى قدم مكة فحالف سعيد بن العاصي ، ثم أسلم بمكة ، ثم هاجر إلى أرض الحبشة ، ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخيبر . وقال أبو بكر بن عبد الله بن الجهم - وكان علامة نسابة : ليس كذلك ، [ ص: 446 ] ولكنه أسلم قديما بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه ، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين - جعفر وأصحابه - من أرض الحبشة ، ووافوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخيبر . قال أبو عمر : وإنما ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة لأنه نزل أرضهم في حين إقباله مع سائر قومه ، رمت الريح سفينتهم إلى الحبشة فبقوا فيها ، ثم خرجوا مع جعفر وأصحابه ؛ هؤلاء في سفينة وهؤلاء في سفينة ، فوافوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين افتتح خيبر ، فقيل : إنه قسم لأهل السفينتين ، وقيل : لم يقسم لهم .

                                                                                              ثم ولى عمر بن الخطاب أبا موسى البصرة إذ عزل عنها المغيرة في وقت الشهادة عليه ، وذلك سنة عشرين ، فافتتح أبو موسى الأهواز ، ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ثم عزله عنها وولاها عبد الله بن عامر بن كرز ، فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها ، ثم لما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاصي ولوا أبا موسى ، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقره ، فلم يزل على الكوفة حتى قتل عثمان واستخلف علي فعزله عنها . قال أبو عمر : فلم يزل واجدا منها على علي ، ثم كان من أبي موسى بصفين وفي التحكيم ما كان ، وكان متحرفا على علي لأنه عزله ولم يستعمله ، وغلبه أهل اليمن في إرساله في التحكيم فلم يجر لهم ، ثم انقبض أبو موسى إلى مكة ومات بها ، وقيل : مات بالكوفة في داره بجانب المسجد . واختلف في وقت وفاته ؛ فقيل : سنة اثنتين وأربعين ، وقيل : سنة أربع وأربعين ، وقيل : سنة خمسين ، وقيل : سنة اثنتين وخمسين . وكان رضي الله عنه من أحسن الناس صوتا بالقرآن ، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أوتيت مزمارا من مزامير آل داود " ، وسئل علي رضي الله عنه عن موضع أبي موسى من العلم [ ص: 447 ] فقال : صبغ في العلم صبغة . وروى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ستمائة وستين حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين ثمانية وستون حديثا .

                                                                                              و (قول الأعرابي " أكثرت علي من أبشر ! ) قول جلف جاهل بحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبقدر البشرى التي بشره بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو قبلها ، لكنها عرضت عليه فحرمها وقضيت لغيره فقبلها . والبشرى : خبر بما يسر ، وسميت بذلك لأنها تظهر السرور في بشرة المبشر ، وأصله في الخير ، وقد يقال في الشر توسعا كما قال الله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم [التوبة: 34] وفيه ثلاث لغات : أبشر - رباعيا ، فتقول : أبشرته أبشره إبشارا ، ومنه : وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [فصلت : 30] وبشر - مشددا - يبشر تبشيرا ، ومنه قوله تعالى : فبشر عباد الذين يستمعون القول [الزمر: 17 - 18] والثالثة : بشرت الرجل - ثلاثيا مفتوح العين - أبشره بالضم بشرا بالسكون وبشورا ، والاسم البشارة بكسر الباء وضمها .

                                                                                              والبشرى تقتضي مبشرا به ، فإذا ذكر تعين ، وإذا سكت عنه صلح أن يراد به العموم .

                                                                                              [ ص: 448 ] و (قول النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر ") ولم يذكر له عين ما بشره به ؛ لأنه - والله أعلم - قصد تبشيره بالخير على العموم الذي يصلح لخير الدنيا والآخرة ، ولما جهل ذلك رده لحرمانه وشقوته ، ولما عرض ذلك على من عرف قدره بادر إليه وقبله ، فنال من البشارة الخير الأكبر والحظ الأوفر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

                                                                                              وكونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ غسل وجهه في الماء وبصق فيه وأمره بشرب ذلك والتمسح به مبالغة في إيصال الخير والبركة لهما ، إذ قد ظهرت بركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما لمسه أو باشره أو اتصل به منه شيء ، ولما تحققت أم سلمة ذلك سألتهما أن يتركا لها فضلة من ذلك ليصيبها من تلك البشرى ومن تلك البركة حظ .

                                                                                              وفيه ما يدل على جواز الاستشفاء بآثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبكلماته ودعواته ، وعلى جواز النشرة بالماء الذي يرقى بأسماء الله تعالى وبكلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم ذكر الخلاف في النشرة في كتاب الطب .

                                                                                              وأوطاس : موضع قريب من حنين .

                                                                                              وبعث أبي عامر إنما كان لتتبع منهزمة هوازن بحنين ، ويسمى خيله خيل الطلب ، وأبو عامر هذا اسمه عبيد بن سليم بن حضار الأشعري ، وكان أبو عامر هذا من كبار الصحابة ، عقد له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لواء يوم ولاه على هذا الجيش ، وختم الله تعالى له بالشهادة وبدعاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمغفرة .




                                                                                              الخدمات العلمية