الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، عن علي قال : لما نزلت : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قالوا : يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت . قالوا : يا رسول الله، في كل عام؟ قال : " لا ، ولو قلت : نعم . لوجبت " . فأنزل الله : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . [ ص: 687 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال رجل : يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال : " حج حجة الإسلام التي عليك ، ولو قلت : نعم . وجبت عليكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والحاكم وصححه، والبيهقي في " سننه " ، عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج " . فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله . قال : " لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملو بها ، الحج مرة، فمن زاد فتطوع " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : لما نزلت : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال رجل : يا رسول الله، أفي كل عام؟ قال : " والذي نفسي بيده لو قلت : نعم . لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو تركتموها لكفرتم ، فذروني ما وذرتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم، فإذا أمرتكم بأمر فائتمروه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه " . [ ص: 688 ] وأخرج أبو نعيم في " المعرفة " ، من طريق محمد بن مروان، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن الحارث بن يزيد، أنه قال : يا رسول الله، الحج في كل عام؟ فنزلت : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والبيهقي في " سننه " ، عن ابن عمر قال : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من الحاج يا رسول الله؟ قال : " الشعث التفل " . فقام آخر فقال : أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال : " العج والثج " . فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله؟ قال : " الزاد والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني ، والحاكم وصححه، عن أنس، أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله : من استطاع إليه سبيلا . فقيل : ما السبيل؟ قال : الزاد [ ص: 689 ] والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر والدارقطني، والبيهقي ، في " سننهما " ، عن الحسن قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : يا رسول الله، ما السبيل؟ قال : " الزاد والراحلة "
                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني ، والبيهقي ، في " سننهما " ، من طريق الحسن ، عن أمه، عن عائشة قالت : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : ما السبيل إلى الحج؟ قال : " الزاد والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني في " سننه " عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : قيل : يا رسول الله، ما السبيل؟ قال : " الزاد والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، عن النبي [ ص: 690 ] صلى الله عليه وسلم قال : " السبيل إلى البيت الزاد والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني ، عن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قام رجل فقال : يا رسول الله، ما السبيل؟ قال : " الزاد والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : فسئل عن ذلك، فقال : " تجد ظهر بعير " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن عمر بن الخطاب في قوله : من استطاع إليه سبيلا . قال : الزاد والراحلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والبيهقي في " سننه " ، عن ابن عباس في قوله : من استطاع إليه سبيلا . قال : الزاد والبعير . وفي لفظ : والراحلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البلاغ الزاد والراحلة " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 691 ] وأخرج ابن ماجه ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله قال : " الزاد والراحلة " . يعني قوله : من استطاع إليه سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن ابن عباس في قوله : من استطاع إليه سبيلا . قال : السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد وراحلة، من غير أن يجحف به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن ابن عباس قال : سبيلا : من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عبد الله بن الزبير : من استطاع إليه سبيلا . قال : الاستطاعة القوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد : من استطاع إليه سبيلا . قال : زاد وراحلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ، والحسن، وعطاء ، مثله . [ ص: 692 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، عن إبراهيم النخعي قال : إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر امرأة مسيرة ليلة - وفي لفظ : لا تسافر المرأة بريدا - إلا مع ذي محرم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " . فقام رجل فقال : يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني كتبت في غزوة كذا وكذا . فقال : " انطلق فحج مع امرأتك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في " الشعب " ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج بيت الله، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، وذلك بأن الله يقول : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 693 ] وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد في كتاب " الإيمان " ، وأبو يعلى، والبيهقي ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات ولم يحج حجة الإسلام ؛ لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال شاء ؛ يهوديا أو نصرانيا " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط مرفوعا مرسلا ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، عن عمر بن الخطاب قال : من مات وهو موسر لم يحج ، فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 694 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، من طريق مجاهد ، عن ابن عمر قال : من كان يجد وهو موسر صحيح لم يحج، كان سيماه بين عينيه : كافرا . ثم تلا هذه الآية : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين . ولفظ ابن أبي شيبة : من مات وهو موسر ولم يحج، جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب : كافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، من طريق نافع ، عن ابن عمر قال : من وجد إلى الحج سبيلا سنة ثم سنة، ثم مات ولم يحج، لم يصل عليه ، لا يدرى مات يهوديا أو نصرانيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال : لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : لو أن الناس تركوا الحج عاما واحدا لا يحج أحد، ما نوظروا بعده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : ومن كفر . قال : من زعم أنه ليس بفرض عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في " سننه " عن [ ص: 695 ] ابن عباس في الآية قال : من كفر بالحج فلم ير حجه برا ولا تركه مأثما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في " سننه " ، عن عكرمة قال : لما نزلت : ومن يبتغ غير الإسلام دينا . الآية . قالت اليهود : فنحن مسلمون . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله فرض على المسلمين حج البيت " . فقالوا : لم يكتب علينا . وأبوا أن يحجوا، قال الله : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عكرمة قال : لما نزلت : ومن يبتغ غير الإسلام دينا الآية . قالت الملل : نحن المسلمون . فأنزل الله : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين . فحج المسلمون وقعد الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي في " سننه " ، عن مجاهد قال : لما نزلت هذه الآية : ومن يبتغ غير الإسلام دينا الآية . قال أهل الملل كلهم : نحن مسلمون . فأنزل الله : ولله على الناس حج البيت . قال : يعني على المسلمين . حج المسلمون، وترك المشركون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الضحاك قال : لما نزلت آية الحج : ولله على الناس حج البيت الآية . جمع [ ص: 696 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الملل ؛ مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين، فقال : " إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت " . فلم يقبله إلا المسلمون وكفرت به خمس ملل ، قالوا : لا نؤمن به، ولا نصلي إليه، ولا نستقبله . فأنزل الله : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن أبي داود نفيع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " . فقام رجل من هذيل، فقال : يا رسول الله، من تركه كفر؟ قال : " من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حج لا يرجو ثوابه، فهو ذاك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في " الشعب " ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله : ومن كفر . قال : " من كفر بالله واليوم الآخر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد ، أنه سئل عن قول الله : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين . ما هذا الكفر؟ قال : من كفر بالله واليوم الآخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عطاء بن أبي رباح في الآية قال : [ ص: 697 ] من كفر بالبيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد ، أنه سئل عن ذلك، فقرأ : إن أول بيت وضع للناس . إلى قوله : سبيلا . ثم قال : من كفر بهذه الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال : ومن كفر فلم يؤمن به فهو الكافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : لو كان لي جار موسر ثم مات ولم يحج، لم أصل عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش ، أنه قرأ : ( ولله على الناس حج البيت ) بكسر الحاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عن عاصم بن أبي النجود : " ولله على الناس حج البيت " بنصب الحاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس ، أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم : الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال : " لا ، بل مرة [ ص: 698 ] واحدة، فمن زاد فتطوع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية