الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  92 34 - حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها ، فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس : سلوني عما شئتم ، قال رجل : من أبي ؟ قال : أبوك حذافة ، فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك سالم مولى شيبة ، فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة في قوله " فلما أكثر عليه غضب " .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : هم خمسة قد ذكروا أعيانهم بهذه السلسلة في باب فضل من علم وعلم ، وكلهم كوفيون ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله ، وأبو بردة بضم الباء الموحدة عامر بن أبي موسى ، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري ها هنا عن أبي كريب محمد بن العلاء وفي كتاب الاعتصام في باب ما يكره من كثرة السؤال عن يوسف بن موسى ، وفي الفضائل عن أبي كريب وعبد الله بن براد ، ثلاثتهم عن أسامة عنه به .

                                                                                                                                                                                  بيان اللغات والإعراب والمعاني : قوله " عن أشياء " هو غير منصرف ، قال الخليل : إنما ترك صرفه لأن أصله فعلاء كالشعراء ، جمع على غير الواحد فنقلوا الهمزة الأولى إلى أول الكلمة فقالوا أشياء فوزنه أمعاء ، وقال الأخفش والفراء : هو أفعلاء كالأنبياء ، فحذفت الهمزة التي بين الياء والألف للتخفيف فوزنه أفعاء ، وقال الكسائي : هو أفعال كأفراخ ، وإنما تركوا صرفها لكثرة استعمالهم لها ولأنها شبهت بفعلاء ، وقال في العباب : الشيء تصغيره شييء وشييء بكسر الشين ولا تقل شويء ، والجمع أشياء غير مصروفة ، والدليل على قول الخليل أنها لا تصرف أنها تصغر على أشياء ، وأنها تجمع على أشاوي ، وأصلها أشائي قلبت الهمزة ياء فاجتمعت ثلاث يآت فحذفت الوسطى وقلبت الأخيرة ألفا فأبدلت من الأول واوا ، وحكى الأصمعي أنه سمع رجلا من فصحاء العرب يقول لخلف الأحمر : إن عندك لأشاوي مثال الصحاري ، ويجمع أيضا على أشايا وأشياوات ، ويدخل على قول الكسائي أن لا تصرف أبناء وأسماء ، وعلى قول الأخفش أن لا تجمع على أشاوي ، قوله “ كرهها " جملة في محل الجر لأنها صفة الأشياء ، وإنما كره لأنه ربما كان سببا لتحريم شيء على المسلمين فتلحقهم به المشقة ، أو ربما كان في الجواب ما يكره السائل ويسوؤه أو ربما أحفوه عليه الصلاة والسلام وألحقوه المشقة والأذى ، فيكون ذلك سببا لهلاكهم ، وهذا في الأشياء التي لا ضرورة ولا حاجة إليها أو لا يتعلق بها تكليف ونحوه ، وفي غير ذلك لا تتصور الكراهة لأن السؤال حينئذ إما واجب أو مندوب لقوله تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قوله “ فلما أكثر عليه " على صيغة المجهول أي فلما أكثر السؤال على النبي عليه الصلاة والسلام غضب وهو جواب لما ، وسبب غضبه تعنتهم في السؤال وتكلفهم فيما لا حاجة لهم فيه ، ولهذا قال عليه السلام : " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء فحرم من أجل مسألته " أخرجه البخاري من حديث سعد ، قوله “ سلوني " جملة من الفعل والفاعل والمفعول ، قال بعض العلماء : هذا القول [ ص: 114 ] منه عليه الصلاة والسلام محمول على أنه أوحي إليه به إذ لا يعلم كل ما يسأل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى ، وقال القاضي عياض : ظاهر الحديث أن قوله عليه السلام " سلوني " إنما كان غضبا ، قوله “ عما شئتم " وفي بعض النسخ " عم شئتم " بحذف الألف ، قلت : إنه يجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلا عليها نحو فيم وإلام وعلام ، وعلة الحذف الفرق بين الاستفهام والخبر فلهذا حذفت في نحو فيم أنت من ذكراها فناظرة بم يرجع المرسلون لم تقولون ما لا تفعلون وثبت في لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم يؤمنون بما أنزل إليك ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وكما لا تحذف الألف في الخبر لا تثبت في الاستفهام ، وأما قراءة عكرمة وعيسى " عما يتساءلون " فنادرة ، وأما قول حسان رضي الله عنه :

                                                                                                                                                                                  علاما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد

                                                                                                                                                                                  فضرورة ، ويروى في دمان وهو كالرماد وزنا ومعنى ، قوله “ قال رجل " هو عبد الله بن حذافة ، وقد تقدم تعريفه في باب ما يذكر من المناولة ، قوله “ من أبي " جملة من المبتدأ والخبر مقول القول ، وكذلك قوله “ أبوك حذافة " بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة المخففة ، فإن قلت : لم سأله عن ذلك ؟ قلت : لأنه كان ينسب إلى غير أبيه إذا لاحى أحدا فنسبه عليه الصلاة والسلام إلى أبيه ، فإن قلت : من أين عرف رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ابنه ، قلت : إما بالوحي وهو الظاهر أو بحكم الفراسة أو بالقياس أو بالاستلحاق ، قوله “ فقام إليه " أي إلى النبي عليه الصلاة والسلام آخر أي رجل آخر ، قوله “ أبوك سالم “ مبتدأ وخبر مقول القول ، قوله “ ما في وجهه " أي من أثر الغضب ، وما موصولة والجملة في محل النصب على أنها مفعول رأى وهو من الرؤية بمعنى الإبصار ، ولهذا اقتصر على مفعول واحد ، قوله “ قال : يا رسول الله " جواب لما ، قوله “ إنا نتوب إلى الله " جملة وقعت مقول القول أي نتوب من الأسئلة المكروهة مما لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قال ذلك عمر رضي الله تعالى عنه لأنه لما رأى حرصهم وقدر ما علمه الله خشي أن يكون ذلك كالتعنت له والشك في أمره ، فقال : إنا نتوب إلى الله ، وفي الحديث فهم عمر وفضل علمه فإن العالم لا يسأل إلا فيما يحتاج إليه ، وفيه كراهة السؤال للتعنت ، وفيه معجزة النبي صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية