الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن صلى أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا أعاد ركعتين ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما ، وعند أبي يوسف رحمه الله يقضي أربعا ، وهذه المسألة على ثمانية أوجه . والأصل فيها أن عند محمد رحمه الله أن ترك القراءة في الأوليين أو في إحداهما يوجب بطلان التحريم لأنها تعقد للأفعال ، وعند أبي يوسف رحمه الله ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريم ، وإنما يوجب فساد الأداء ; لأن القراءة ركن زائد ، ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها ؟ غير أنه لا صحة للأداء إلا بها ، وفساد الأداء لا يزيد على تركه فلا يبطل التحريمة ، وعند أبي حنيفة رحمه الله ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة ، وفي إحداهما لا يوجب ; لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة ، وفسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه ، فقضينا بالفساد في حق [ ص: 167 ] وجوب القضاء ، وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا . إذا ثبت هذا نقول : إذا لم يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما ، لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما ، فلم يصح الشروع في الشفع الثاني .

                                                                                                        وبقيت عند أبي يوسف رحمه الله فصح الشروع في الشفع الثاني ، ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء الأربع عنده ( ولو قرأ في الأوليين لا غير فعليه قضاء الأخريين بالإجماع ) . لأن التحريمة لم تبطل ، فصح الشروع في الشفع الثاني ، ثم فساده بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول ( ولو قرأ في الأخريين لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع ) لأن عندهما لم يصح الشروع في الشفع الثاني ، وعند أبي يوسف رحمه الله إن صح فقد أداها ( ولو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين بالإجماع ، ولو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين بالإجماع ، ولو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين : على قول أبي يوسف رحمه الله عليه قضاء الأربع وكذا عند أبي حنيفة رحمه الله ) لأن التحريمة باقية ، وعند محمد رحمه الله عليه قضاء الأوليين لأن التحريمة قد ارتفعت عنده .

                                                                                                        وقد أنكر أبو يوسف رحمه الله هذه الرواية عنه ، وقال : رويت لك عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يلزمه قضاء ركعتين ، ومحمد رحمه الله لم يرجع عن روايته عنه . ( ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما ، وعند محمد رحمه الله قضى ركعتين ، ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير قضى أربعا عند أبي يوسف رحمه الله وعندهما ركعتين ) قال ( وتفسير قوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 168 ] { لا يصلى بعد صلاة مثلها }) يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة ، فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الخامس عشر بعد المائة ، قال عليه السلام : { لا يصلى بعد صلاة مثلها } ، [ ص: 168 ] قلت : غريب مرفوعا ، ووقفه ابن أبي شيبة في " مصنفه " على عمر بن الخطاب وابن مسعود ، فقال : حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : قال عمر : لا يصلى بعد صلاة ، مثلها . انتهى ، حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن إبراهيم ، والشعبي ، قال : قال عبد الله : لا يصلى على إثر صلاة مثلها . انتهى .

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج أبو داود ، والنسائي عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار ، قال : { أتيت ابن عمر على البلاط ، وهم يصلون ، قلت : ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت ، إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين }. انتهى ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والسبعين ، من القسم الثاني ، ولفظه : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نعيد صلاة في يوم مرتين }.

                                                                                                        قال ابن حبان : وعمرو بن شعيب في نفسه ثقة ، يحتج بخبره إذا روى عن غير أبيه ، فأما روايته عن أبيه عن جده ، فلا تخلو من انقطاع وإرسال ، فلذلك لم يحتج بشيء منها . انتهى . قيل : ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " قال النووي في " الخلاصة " إسناده صحيح ، قال : ومعناه كما قاله أصحابنا أي لا تجب الصلاة في اليوم مرتين ، وإنما لم يعدها ابن عمر ; لأنه كان صلاها في جماعة . انتهى كلامه .

                                                                                                        قال البيهقي في " المعرفة " : قال مالك : ثنا نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر ، فقال : إني أصلي في بيتي ، ثم أدرك الصلاة مع الإمام ، أفأصلي معه ؟ فقال ابن عمر : نعم ، قال : فأيتهما أجعل صلاتي ؟ فقال ابن عمر : ليس ذلك إليك ، إنما ذلك إلى الله ، يجعل أيهما شاء انتهى . رواه في " الموطأ " ، قال : وهذا من ابن عمر دليل على أن الذي روى عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا صلاة مكتوبة في يوم مرتين ، إنما أراد به كلتاهما على وجه الفرض ، أو إذا صلى في جماعة ، فلا يعيدها أخرى } ، ثم أسند عن أبي المتوكل الناجي ثنا أبو سعيد الخدري ، قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، فدخل رجل ، فقام يصلي الظهر ، فقال : ألا رجل يتصدق على هذا ، فيصلي معه ؟ }" ، قال : وروينا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا في هذا الخبر ، فقام أبو بكر [ ص: 169 ] فصلى معه ، وقد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وروينا عن أبي موسى الأشعري وأنس بن مالك أنهما فعلا ، وكانا قد صليا بالجماعة ، قال البيهقي : ودعوى من ادعى نسخ هذه الأخبار باطلة ، لا يشهد بها له تاريخ ، ولا سبب ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار ، فهو أولى ، والله أعلم .

                                                                                                        أحاديث إعادة الفريضة لأجل الجماعة : أخرج مسلم عن أبي ذر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كيف أنت ، إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ؟ قلت : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم ، فصل ، فإنها لك نافلة }. انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ : { يؤخرون الصلاة }. لم يقل : عن وقتها ، وفي لفظ : { ولا تقل : إني قد صليت ، فلا أصلي } ، وفي لفظ : { صلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة } ، وأخرج أيضا عن ابن مسعود عنه عليه السلام ، قال : { إنه سيكون عليكم أمراء ، يؤخرون الصلاة عن وقتها ، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك ، فصلوا الصلاة لميقاتها ، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة } ، مختصر ، من حديث التطبيق ، قال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " : لم يخرج البخاري في هذا الباب شيئا . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه ، قال : { شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، في مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه ، فقال : علي بهما ، فجيء بهما ترعد فرائصهما ، قال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالا : يا رسول الله ، إنا كنا صلينا في رحالنا ، قال : فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ، ثم أتيتما مسجد جماعة ، فصليا معهم ، فإنها لكما نافلة }. انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي رواية للدارقطني والبيهقي : { وليجعل التي صلاها في بيته نافلة } ، وقالا : إنها رواية ضعيفة شاذة ، مردودة ، لمخالفتها الثقات .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو داود حدثنا قتيبة عن معن بن عيسى عن سعيد بن السائب [ ص: 170 ] عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر السوائي ، بمعناه ، وقال في آخره : { إذا جئت الصلاة ، فوجدت الناس ، فصل معهم ، وإن كنت صليت ، تكن لك نافلة ، وهذه مكتوبة }.

                                                                                                        قال النووي في " الخلاصة " : إسناده ضعيف انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية