الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في أجزاء الحيوان

                                                                                                                                                                        الأصل أن ما انفصل من حي فهو نجس ، ويستثنى الشعر المجزوز من مأكول اللحم في الحياة ، والصوف ، والوبر ، والريش ، فكلها طاهرة بالإجماع . والمتناثر والمنتوف طاهر على الصحيح ، ويستثنى أيضا شعر الآدمي ، والعضو المبان منه ، ومن السمك ، والجراد ، ومشيمة الآدمي ، فهذه كلها طاهرة على المذهب وهذا الذي ذكرناه في الشعور تفريع على المذهب في نجاسة الشعر بالموت . [ ص: 16 ] فرع

                                                                                                                                                                        في المنفصل عن باطن الحيوان

                                                                                                                                                                        هو قسمان : أحدهما : ليس له اجتماع ، واستحالة في الباطن ، وإنما يرشح رشحا . والثاني : يستحيل ويجتمع في الباطن ثم يخرج . فالأول ، كاللعاب ، والدمع ، والعرق ، والمخاط ، فله حكم الحيوان المترشح منه ، إن كان نجسا فنجس ، وإلا ، فطاهر . والثاني : كالدم ، والبول ، والعذرة ، والروث ، والقيء . وهذه كلها نجسة من جميع الحيوان ، أي : مأكول اللحم وغيره . ولنا وجه : أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران . وهو

                                                                                                                                                                        [ أحد ] قولي أبي سعيد الإصطخري من أصحابنا ، واختاره الروياني وهو مذهب مالك وأحمد .

                                                                                                                                                                        والمعروف من المذهب النجاسة . وهل يحكم بنجاسة هذه الفضلات من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وجهان . قال الجمهور : نعم . وفي بول السمك ، والجراد ، ودمهما وروثهما ، وروث ما ليس له نفس سائلة ، والدم المتحلب من الكبد ، والطحال ، وجهان . الأصح : النجاسة .

                                                                                                                                                                        وأما اللبن ، فطاهر من مأكول اللحم بالإجماع ، ونجس من الحيوان النجس ، وطاهر من الآدمي على الصحيح ، وقيل : نجس . ولكن يربى به الصبي للضرورة .

                                                                                                                                                                        وأما غير الآدمي مما لا يؤكل ، فلبنه نجس على الصحيح . وقال الإصطخري : طاهر . وأما الإنفحة ، فإن أخذت من السخلة بعد موتها ، [ ص: 17 ] أو بعد أكلها غير اللبن ، فنجسة بلا خلاف وإن أخذت من السخلة المذبوحة قبل أن يأكل غير اللبن ، فوجهان ، الصحيح الذي قطع به كثيرون طهارتها .

                                                                                                                                                                        وأما المني ، فمن الآدمي طاهر ، وقيل : فيه قولان . وقيل : القولان في مني المرأة خاصة ، والمذهب الأول . لكن إن قلنا : رطوبة فرج المرأة نجسة ، نجس منيها بملاقاتها ، كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره بالماء ، فإن منيه ينجس بملاقاة المحل النجس . وأما مني غير الآدمي ، فمن الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس ، ومن غيرهما فيه أوجه ، أصحها نجس . والثاني : طاهر . والثالث : طاهر من مأكول اللحم ، نجس من غيره ، كاللبن .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح عند المحققين والأكثرين ، الوجه الثاني ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما البيض ، فطاهر من المأكول ، وفي غيره الوجهان في منيه ، ويجريان في بزر القز ، فإنه أصل الدود ، كالبيض . وأما دود القز ، فطاهر بلا خلاف ، كسائر الحيوان ، وأما المسك فطاهر ، وفي فأرته المنفصلة في حياة الظبية وجهان . الأصح : الطهارة ، كالجنين . فإن انفصلت بعد موتها ، فنجسة على الصحيح ، كاللبن . وطاهرة في وجه ، كالبيض المتصلب ، وأما الزرع النابت على السرجين . فقال الأصحاب : ليس هو نجس العين ، لكن ينجس بملاقاة النجاسة . فإذا غسل ، طهر ، وإذا سنبل ، فحباته الخارجة طاهرة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 18 ] قلت : القيح نجس ، وكذا ماء القروح إن كان متغيرا ، وإلا فلا على المذهب . ودخان النجاسة نجس في الأصح ، وهو مذكور في باب : ما يكره لبسه . وليست رطوبة فرج المرأة ، والعلقة ، بنجس في الأصح ، ولا المضغة على الصحيح ، والمرة نجسة ، وكذا حرة البعير .

                                                                                                                                                                        وأما الماء الذي يسيل من فم النائم ، فقال المتولي : إن كان متغيرا ، فنجس . وإلا فطاهر . وقال غيره : إن كان من اللهوات ، فطاهر ، أو من المعدة ، فنجس . ويعرف كونه من اللهوات بأن ينقطع إذا طال نومه . وإذا شك ، فالأصل عدم النجاسة ، والاحتياط غسله . وإذا حكم بنجاسته ، وعمت بلوى شخص به ، لكثرته منه ، فالظاهر أنه يلتحق بدم البراغيث ، وسلس البول ، ونظائره .

                                                                                                                                                                        قال القاضي حسين والمتولي والبغوي وآخرون : لو أكلت بهيمة حبا ثم ألقته صحيحا ، فإن كانت صلابته باقية ، بحيث لو زرع نبت ، فعينه طاهرة ، ويجب غسل ظاهره ، لأنه وإن صار غذاء لها فما تغير إلى فساد ، فصار كما لو ابتلع نواة . وإن زالت صلابته ، بحيث لا ينبت ، فنجس العين . قال المتولي : والوسخ المنفصل من الآدمي في حمام وغيره ، له حكم ميتته ، وكذا الوسخ المنفصل عن سائر الحيوان له حكم ميتته . وفيما قاله نظر . وينبغي أن يكون طاهرا قطعا ، كالعرق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية