الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  10 قال أبو عبد الله، وقال أبو معاوية: حدثنا داود عن عامر، قال: سمعت عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الأعلى: عن داود، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذان تعليقان رجالهما خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: أبو معاوية محمد بن خازم بالخاء، والزاي المعجمة الضرير الكوفي التميمي السعدي مولى سعد بن زيد مناة بن تميم، يقال: عمي وهو ابن أربع سنين أو ثمان، روى عن الأعمش وغيره، وعنه أحمد وإسحاق، وهو ثبت في الأعمش، وكان مرجئا، مات في صفر سنة خمس وتسعين ومائة، وفي الرواة أيضا أبو معاوية النخعي عمر، وأبو معاوية شيبان.

                                                                                                                                                                                  الثاني: داود بن أبي هند دينار مولى امرأة من قشير، ويقال: مولى عبد الله عامر بن كريز أحد الأعلام الثقات، بصري رأى أنسا، وسمع الشعبي، وغيره من التابعين، وعنه شعبة والقطان، له نحو مائتي حديث، وكان حافظا صواما دهره قانتا لله، مات سنة أربعين ومائة بطريق مكة عن خمس وسبعين سنة، روى له الجماعة، والبخاري استشهد به هنا خاصة، وليس له في صحيحه ذكر إلا هنا.

                                                                                                                                                                                  الثالث: عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة من بني سامة بن لؤي بن غالب القرشي البصري، روى عن الجريري وغيره، وعنه بندار، وهو ثقة قدري، لكنه غير داعية، مات في شعبان سنة تسع، وثمانين ومائة، وفي الصحيحين عبد الأعلى ثلاثة، هذا وفي ابن ماجه آخر واه، وآخر كذلك، وآخر صدوق، وفي النسائي آخر ثقة، وفيه وفي الترمذي آخر ثقة، وفي الأربعة آخران ضعفهما أحمد فالجملة تسعة، وفي الضعفاء سبعة أخرى.

                                                                                                                                                                                  الرابع: عامر، هو الشعبي المذكور عن قريب.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد مر آنفا، وأراد بالتعليق الأول بيان سماع الشعبي من عبد الله بن عمرو; لأن وهيب بن خالد، روى عن داود، عن رجل، عن الشعبي، عن عبيد الله بن عمرو، وحكاه ابن منده فأخرج البخاري هذا التعليق لينبه به على سماع الشعبي من عبد الله بن عمرو فعلى هذا لعل الشعبي بلغه ذلك عن عبد الله بن عمرو، ثم لقيه فسمعه منه. وأخرج هذا التعليق إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي معاوية موصولا، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه)، فقال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر، حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، حدثنا أبو معاوية، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم الناس من [ ص: 134 ] لسانه، ويده، وأراد بالتعليق الثاني: التنبيه على أن عبد الله الذي أبهم في رواية عبد الأعلى، هو عبد الله بن عمرو الذي بين في رواية أبي معاوية، وقال قطب الدين في شرحه: هذا من تعليقات البخاري; لأن البخاري لم يلحق أبا معاوية، ولا عبد الأعلى، والحديث المعلق عند أهل الحديث هو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر، وقد أكثر البخاري في صحيحه، ولم يستعمله مسلم إلا قليلا.

                                                                                                                                                                                  قال أبو عمرو بن الصلاح فيما جاء بصيغة الجزم، كقال، وحدث، وذكر، دون ما جاء بغير صيغته كيروى، ويذكر، وإنما كان ذلك; لأن صاحبي (الصحيحين) ترجما كتابهما بالصحيح من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلولا أنه عندهما مسند متصل صحيح لم يستجز أن يدخلا في كتابيهما: قوله: " قال أبو عبد الله " ، هو البخاري نفسه; لأن أبا عبد الله كنيته.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حدثنا داود عن عامر " ، وفي رواية ابن عساكر: حدثنا داود، هو ابن أبي هند.

                                                                                                                                                                                  قوله في حديث ابن حبان: " والمسلم من سلم الناس " يتناول المسلمين، وأهل الذمة، وقال بعضهم: والمراد بالناس هنا المسلمون كما في الحديث الموصول، فهم الناس حقيقة، ويمكن حمله على عمومه على إرادة شرط، وهو إلا بحق، وإرادة هذه الشرط متعينة على كل حال. قلت: فيه نظر من وجوه:

                                                                                                                                                                                  الأول: قوله: " فهم الناس حقيقة يدل على أن غير المسلمين من بني آدم ليسوا بإنسان حقيقة، وليس كذلك بل الناس يكون من الإنس، ومن الجن قاله في (العباب)، والثاني: قوله: " ويمكن حمله " استعمال الإمكان هاهنا غير سديد، بل هو عام قطعا.

                                                                                                                                                                                  والثالث: تخصيصه الشرط المذكور بهذا الحديث غير موجه، بل هذا الشرط مراعى هاهنا، وفي الحديث الموصول: فبهذا الشرط يخرج عن العموم في حق الأذى بالحق، وأما في حق المسلم والذمي فعلى عمومه فافهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية