الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( الثالث حضورهم ) أي الأربعين من أهل وجوبها ( الخطبة ) والصلاة ( ولو كان فيهم خرس ) والخطيب ناطق ( أو ) كان فيهم ( صم ) لوجود الشروط ( لا كلهم ) أي إن كانوا كلهم خرسا حتى الخطيب ، أو كانوا كلهم صما لم تصح جمعتهم لفوات الخطبة صورة في الأولى ، وفوات المقصود منها في الثانية .

                                                                          ( فإن نقصوا ) أي الأربعون ( قبل إتمامها ) أي الجمعة ( استأنفوا ظهرا ) نصا لأن العدد شرط فاعتبر في جميعها ، كالطهارة والمسبوق إنما صحت منه تبعا لصحتها ممن لم يحضر الخطبة ( إن لم تمكن إعادتها ) جمعة بشروطها فإن أمكنت وجبت لأنها فرض الوقت ( وإن بقي ، العدد ) أي الأربعون بعد انفضاض بعضهم .

                                                                          ( ولو ) كان الباقون ( ممن لم يسمع الخطبة ولحقوا بهم ) أي بمن كان مع الإمام ( قبل نقصهم أتموا جمعة ) لوجود الشرط كبقائه من السامعين وإن لحقوا بعد النقص فإن أمكن استئناف الجمعة وإلا صلوا ظهرا ( وإن رأى الإمام وحده ) أي دون المأمومين اعتبار ( العدد فنقص ) العدد .

                                                                          ( لم يجز ) للإمام ( أن يؤمهم ) لاعتقاده البطلان ( ولزمه أن يستخلف أحدهم ) ليصلي بهم لأن الواجب عليهم لا يتم إلا بذلك ( وبالعكس ) بأن رأى المأمومون العدد وحدهم ( لا تلزم ) الجمعة ( واحدا منهما ) أي لا من الإمام ، ولا المأمومين لأنهم لا يعتقدون صحتها .

                                                                          ( ولو أمره ) أي إمام الجمعة ( السلطان أن لا يصلي إلا بأربعين لم يجز ) له من حيث الولاية أن يصلي ( بأقل ) من أربعين ، ولو اعتقد صحتها بدونها ( ولا ) يملك ( أن يستخلف ) لقصر ولايته ( بخلاف التكبير الزائد ) في صلاة العيدين والاستسقاء ، فله أن يعمل فيه برأيه ( وبالعكس ) بأن أمره السلطان أن لا يصلي بأربعين ( الولاية باطلة ) لتعذرها من جهة الإمام ( ولو لم يروها ) أي الجمعة ، أي وجوبها ( قوم بوطن مسكون ) لنقصهم عن الأربعين مثلا ( فللمحتسب أمرهم برأيه ) أي اعتقاده ( بها ) لئلا يظن الصغير أنها تسقط مع زيادة العدد ،

                                                                          ولهذا قال أحمد : يصليها مع بر وفاجر ، مع اعتبار عدالة الإمام ( ومن في وقتها ) أي الجمعة [ ص: 314 ] ( أحرم ) بها ( وأدرك مع الإمام منها ركعة ) قال في شرحه : بسجدتيها ( أتم جمعة ) رواه البيهقي عن ابن مسعود وابن عمر . وعن أبي هريرة مرفوعا { من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة } رواه الأثرم ( وإلا ) بأن لم يحرم في الوقت ، بل بعده .

                                                                          ولو أدرك الركعتين أو فيه ، ولم يدرك مع الإمام من الجمعة ركعة بسجدتيها ( ف ) إنه يتم ( ظهرا ) لمفهوم الخبر السابق ولأن الجمعة لا تقضى ( إن دخل وقته ) أي الظهر ( ونواه ) عند إحرامه ( وإلا ) بأن لم يدخل ولم ينوه ، بل نوى جمعة ( ف ) إنه يتم صلاته ( نفلا ) أما في الأولى : فكمن أحرم بفرض فبان قبل وقته .

                                                                          وأما الثانية ، فلحديث { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } ولأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذا استدامة ، وكالظهر مع العصر ( ومن أحرم معه ) أي الإمام ( ثم زحم ) عن سجود بأرض ( لزمه السجود ) مع إمامه ولو ( على ظهر إنسان أو رجله ) لقول عمر " إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه " رواه أبو داود الطيالسي وسعيد ، كالمريض يأتي بما يمكنه .

                                                                          ويصح وإن احتاج إلى موضع يديه ورجليه لم يجز وضعهما على ظهر إنسان ذكره في الإقناع ( فإن لم يمكنه ) السجود على ظهر إنسان أو رجله ( فإذا زال الزحام ) سجد بالأرض ، ولحق إمامه ، كما في صلاة الخوف للعذر .

                                                                          وهو موجود هنا ( إلا أن يخاف ) بسجود بالأرض بعد زوال الزحام ( فوت ) الركعة ( الثانية ) مع الإمام ، فإن خافه ( ف ) إنه ( يتابعه ) أي الإمام ( فيها ) أي في الركعة الثانية ، كالمسبوق ( وتصير ) ثانية الإمام ( أولاه ) أي المأموم يبني عليها ( ويتمها جمعة ) لأنه أدرك مع الإمام منها ركعة وتقدم : لو زال عذره وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابع .

                                                                          وتتم له ركعة ملفقة يدرك بها الجمعة ( فإن لم يتابعه ) المأموم المزحوم في الثانية مع خوف فوتها ( عالما بتحريمه بطلت ) صلاته لتركه واجب المتابعة بلا عذر ( وإن جهله ) أي تحريم عدم متابعته ( فسجد ) سجدتي الركعة الأولى ( ثم أدركه ) أي الإمام في التشهد ( أتى بركعة ) ثانية ( بعد سلامه ) أي الإمام ، لأنه أتى بسجود معتد به للعذر ( وصحت جمعته ) قال في شرحه : لأنه أدرك مع الإمام منها ما تدرك به الجمعة وهو ركعة ، وهذا المذهب انتهى أي لأنه [ ص: 315 ] لم يفارقه إلا بعد ركعة ، وسجوده لنفسه في حكم ما أتى به مع إمامه ، لبقائه على نية الإتمام ، كما يعلم مما سبق في الخوف ( وكذا ) أي كالتخلف عن الإمام لزحام ( لو تخلف ) عنه ( لمرض أو نوم أو سهو ونحوه ) كجهل وجوب متابعته .

                                                                          وإن زحم عن جلوس لتشهد فقال ابن حامد : يأتي به قائما ويجزئه وقال ابن تميم : الأولى انتظار زوال الزحام قال في الإنصاف : وقدمه في الرعاية ( الرابع تقدم خطبتين ) أي خطبتان متقدمتان لقوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } الآية والذكر هو الخطبة والأمر بالسعي إليه دليل وجوبه ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك قال ابن عمر { كان صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس } ( بدل ركعتين ) .

                                                                          متفق عليه لقول عمر وعائشة " قصرت الصلاة من أجل الخطبة " ( لا ) أن الخطبتين بدل ركعتين ( من الظهر ) لأن الجمعة ليست بدلا عن الظهر ، بل مستقلة كما تقدم ، الأول ( من شروطهما ) أي الخطبتين أي مما تتوقف عليه صحتهما وإن كان منهما لما يأتي ( الوقت ) فلا تصح واحدة منهما قبله لأنهما بدل ركعتين كما تقدم .

                                                                          ( وأن يصح أن يؤم فيها ) أي الجمعة فلا تصح خطبة من لا تجب عليه بنفسه كعبد ومسافر ولو أقام لعلم أو شغل بلا استيطان لما تقدم ( وحمد الله تعالى ) أي قول : " الحمد لله " لحديث ابن مسعود { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال : الحمد لله } رواه أبو داود وله أيضا عن أبي هريرة مرفوعا { كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم } .

                                                                          ( والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ) لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم كالأذان ويتعين لفظ الصلاة لا السلام ( وقراءة آية ) كاملة لحديث جابر بن سمرة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ الآيات ويذكر الناس } رواه مسلم ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فوجبت فيهما القراءة كالصلاة

                                                                          ولا تجزئ آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو " ثم نظر " أو " مدهامتان " ذكره أبو المعالي ، وتجزيء القراءة ( ولو ) كان الخاطب ( جنبا مع تحريمها ) أي القراءة ( والوصية بتقوى الله تعالى ) لأنها المقصودة من الخطبة فلم يجز الإخلال بها وتعتبر هذه الشروط ( في كل خطبة ) من الخطبتين ،

                                                                          فلو قرأ من القرآن ما يتضمن الحمد والموعظة وصلى عليه صلى الله عليه وسلم في كل خطبة كفى قال في التلخيص : لا يتعين لفظها أي الوصية ، [ ص: 316 ] وأقلها : اتقوا الله ، وأطيعوا الله ونحوه ( وموالاة جميعهما ) أي الخطبتين ( مع الصلاة ) تشترط الموالاة بين أجزاء الخطبتين ، وبينهما وبين الصلاة لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافه .

                                                                          وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } ( والنية ) لحديث { إنما الأعمال بالنيات } ( والجهر ) بالخطبتين ( بحيث يسمع العدد المعتبر ) للجمعة ( حيث لا مانع ) لهم من سماعه ، كنوم أو غفلة أو صمم بعضهم ، فإن لم يسمعوا لخفض صوته أو بعدهم عنه ونحوه لم تصح لعدم حصول المقصود ( وسائر ) أي باقي ( شروط الجمعة ) ككون العدد المعتبر فيها مستوطنين حين الخطبة فلو كانوا بسفينة مسافرين فيها من قرية واحدة ، وخطبهم أحدهم ، ولم يصلوا القرية حتى فرغ من الخطبتين استأنفها وهذه الشروط ( للقدر الواجب ) من الخطبتين ، وهو أركان كل منهما وهو الحمد والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقراءة آية ، والوصية بتقوى الله فإن انفضوا عن الخطيب ، ثم عادوا قريبا ولم يفتهم شيء من الأركان ، لم يضر .

                                                                          و ( لا ) يشترط للخطبتين ( الطهارتان ) من الحدث والجنابة فتصح خطبة جنب كأذانه وتحريم لبثه بالمسجد لا تعلق له بواجب العبادة كصلاة من معه درهم غصب .

                                                                          ( و ) لا يشترط أيضا ( ستر العورة و ) لا ( إزالة النجاسة ) كطهارة الحدث وأولى ( ولا ) يشترط أيضا ( أن يتولاهما واحد ) فلو خطب واحد الأولى وآخر الثانية .

                                                                          أجزأتا كالأذان والإقامة ( و ) لا أن يتولاهما ( من يتولى الصلاة ) لأن كلا منهما عبادة بمفردها ، ( ولا ) يشترط أيضا ( حضور متولي الصلاة الخطبة ) فتصح إمامة من لم يحضر الخطبة بهم ، حيث كان من أهل وجوبها ( ويبطلها ) أي الخطبة ( كلام محرم ) في أثنائها ( ولو يسيرا ) كأذان وأولى ( وهي ) أي الخطبة ( بغير العربية ) مع القدرة ( كقراءة ) فلا تجوز

                                                                          وتصح مع العجز غير القراءة فإن عجز عنها وجب بدلها ذكر . ( وسن أن يخطب على منبر ) لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به فعمل له من أثل الغابة فكان يرتقي عليه وكان ثلاث درج ، وسمي منبرا لارتفاعه والنبر الارتفاع واتخاذه سنة مجمع عليها قاله في شرح مسلم ( أو ) على ( موضع عال ) إن عدم المنبر لأنه في معناه

                                                                          ويكونان ( عن يمين مستقبلي القبلة ) كما كان منبره صلى الله عليه وسلم ( وإن وقف ) الخطيب ( بالأرض فعن يسارهم ) أي مستقبلي [ ص: 317 ] القبلة . ( و ) سن ( سلامه ) أي الإمام ( إذا خرج ) إلى المأمومين .

                                                                          ( و ) سلامه أيضا ( إذا أقبل عليهم ) بوجهه لما روى ابن ماجه عن جابر قال { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم } ورواه الأثرم عن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير وكسلامه على من عنده في خروجه .

                                                                          ( و ) سن أيضا ( جلوسه ) أي الخطيب ( حتى ) يؤذن " لحديث ابن عمر { كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب } رواه أبو داود مختصرا .

                                                                          ( و ) سن جلوسه أيضا ( بينهما ) أي الخطبتين ( قليلا ) لقول ابن عمر { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس } متفق عليه قال في التلخيص : بقدر سورة الإخلاص ( فإن أبى ) أن يجلس بينهما فصل بسكتة ( أو خطب جالسا فصل ) بين الخطبتين ( بسكتة ) ليحصل التمييز ، وعلم منه : أن الجلوس بينهما غير واجب ;

                                                                          لأن جماعة من الصحابة ، منهم علي : سرد الخطبتين من غير جلوس ( و ) يسن أيضا ( أن يخطب قائما ) نصا لما سبق ولم يجب كالأذان والاستقبال ( معتمدا على سيف أو قوس أو عصا ) لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود ، ولأنه أمكن له ، وإشارة إلى أن هذا الدين فتح به ويكون ذلك بيده اليسرى والأخرى بحرف المنبر ذكره في الفروع توجيها فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما ( قاصدا تلقاءه ) أي تلقاء وجهه لفعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أقرب إلى إسماعهم كلهم ويكون متعظا بما يعظ به ويستقبل الناس وينحرفون إليه فيستقبلونه ويتربعون وإن استدبرهم فيها كره وصحت .

                                                                          ( و ) سن ( قصرهما ) أي الخطبتين ( و ) كون ( الثانية أقصر ) من الأولى لحديث { إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة } ( و ) يسن له ( رفع صوته حسب طاقته ) لأنه أبلغ في الإعلام .

                                                                          ( و ) سن له ( الدعاء للمسلمين ) لأنه صلى الله عليه وسلم { كان إذا خطب يوم الجمعة دعا وأشار بإصبعه وأمن الناس } رواه حرب في مسائله ( ويباح ) دعاؤه ( لمعين ) لما روي " أن أبا موسى كان يدعو في خطبته لعمر " ( و ) يباح ( أن يخطب من صحيفة ) كقراءة في الصلاة من مصحف .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية