الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( nindex.php?page=treesubj&link=24756_24757والقبض فيما ينقل النقل ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38011نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم } وفيما لا ينقل كالعقار والثمر قبل أوان الجذاذ التخلية ، لأن القبض ورد به الشرع ، وأطلقه فحمل على العرف والعرف فيما ينقل النقل وفيما لا ينقل التخلية ) .
( فرع ) nindex.php?page=treesubj&link=24265مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض تكون على البائع كمؤنة إحضار المبيع الغائب فإنها على البائع ( وأما ) nindex.php?page=treesubj&link=27467مؤنة وزن الثمن فعلى المشتري لتوقف التسليم nindex.php?page=treesubj&link=27467ومؤنة نقد الثمن هل هي على البائع أو المشتري ؟ فيه وجهان ، قلت : ( أصحهما ) على البائع ( وأما ) nindex.php?page=treesubj&link=24265مؤنة نقل المبيع بعد القبض إلى دار المشتري فعلى المشتري . [ ص: 338 ] فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=24756كان لزيد على عمرو طعام سلما ، ولآخر مثله على زيد فأراد زيد أن يؤدي ما عليه مما له على عمرو فقال لغريمه : اذهب إلى عمرو فاقبض لنفسك ما لي عليه فقبضه ، فهو قبض فاسد وكذا لو قال : أحضره معي لأكتاله منه لك ففعل وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على القابض وهل تبرأ ذمة عمرو من حق زيد ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) نعم ( فإن قلنا : ) لا تبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى عمرو على عمرو ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=24756قال زيد : اذهب فاقبضه له ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل ، أو قال : احضر معي لأقبضه لنفسي ، ثم تأخذه لنفسك بذلك الكيل ففعل ، فقبضه لزيد في الصورة الأولى ، وقبض زيد لنفسه في الثانية ، صحيحان وتبرأ ذمة عمرو من حق زيد ، والقبض الآخر فاسد ، والمقبوض مضمون عليه ، وفي وجه ضعيف يصح قبضه لنفسه في الصورة الأولى . ولو nindex.php?page=treesubj&link=24756اكتال زيد وقبضه لنفسه ، ثم كاله على مشتريه وأقبضه فقد جرى الصاعان ، وصح القبضان ، فإن زاد حين قبضه ثانيا أو نقص فالزيادة لزيد والنقص عليه إن كان قدرا يقع بين الكيلين ، فإن كان أكثر علمنا أن الكيل الأول غلط فيرد زيد الزيادة ويأخذ النقصان ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=24756أن زيدا لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلمه كذلك إلى مشتريه فوجهان ( أحدهما ) لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا ( وأصحهما ) عند الأكثرين أن استدامته في المكيال كابتداء الكيل ، وهذه الصورة كما تجري في ديني السلم تجري فيما لو كان أحدهما مستحقا في السلم والآخر بقرض أو إتلاف .
( فرع ) قال أصحابنا : nindex.php?page=treesubj&link=24758للمشتري أن يوكل في القبض ، وللبائع أن يوكل في الإقباض ، ويشترط في ذلك أمران ( أحدهما ) أن لا يوكل المشتري من يده يد البائع كعبده ومستولدته ، ولا بأس بتوكيل أبيه وابنه ومكاتبه ، وفي توكيل عبده المأذون له وجهان ( أصحهما ) [ ص: 339 ] لا يجوز . ولو قال للبائع : " وكل من يقبض لي منك " جاز ، ويكون وكيلا للمشتري في التوكيل ، وكذا لو وكل البائع بأن يأمر من يشتري منه للموكل ( الأمر الثاني ) أن لا يكون القابض والمقبوض واحدا ، فلا يجوز أن يوكل البائع رجلا في الإقباض ، ويوكله المشتري في القبض ، كما لا يجوز أن يوكله هذا في البيع وذاك في الشراء ولو كان عليه طعام وغيره من سلم أو غيره ، فدفع إلى المستحق دراهم وقال : اشترها بمثل ما تستحقه لي واقبضه ، ثم اقبضه لنفسك ، ففعل صح الشراء والقبض للموكل ، ولا يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبوض ، ولامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه وفي وجه ضعيف يصح قبضه لنفسه ، وإنما يمتنع قبضه من نفسه لغيره . ولو قال : اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ، ولم يصح قبضه لنفسه ، ويكون المقبوض مضمونا عليه ، وهل تبرأ ذمة الدافع من حق الموكل ؟ فيه الوجهان السابقان ولو قال : اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد وتكون الدراهم أمانة في يده لأنه لم يقبضها ليتملكها ، فإن اشترى نظر - إن اشترى في الذمة - وقع الشراء له وأدى ثمنه من ماله ، وإن اشترى بعينها فوجهان ( الصحيح ) بطلان الشراء ( والثاني ) صحته . ولو قال لمستحق الحنطة : اكتل حقك من هذه الصبرة ففعل لم يصح قبضه على أصح الوجهين ; لأن الكيل أحد ركني القبض ، وقد صار نائبا من جهة البائع ، ومتأصلا لنفسه ويستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الأب لابنه الصغير من مال نفسه أو لنفسه من مال الصغير ، فإنه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع ، وفي احتياجه إلى النقل في المنقول وجهان ( أصحهما ) يحتاج كما يحتاج إلى الكيل إذا باع كيلا .
( فرع ) يستثنى عن صورة القبض المذكور nindex.php?page=treesubj&link=24756إتلاف المشتري المبيع ، فإنه قبض كما سبق .
[ ص: 340 ] فرع ) nindex.php?page=treesubj&link=24756قبض الجزء المشاع المبيع من دابة وثوب وغير ذلك إنما يحصل بتسليم الجميع ، ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده ، فلو طلب المشتري القسمة قبل القبض قال صاحب التتمة : يجاب إليها ، لأنا إن قلنا : القسمة إفراز فظاهر ، وإن قلنا : بيع فالرضا غير معتبر فيه ، فإن الشريك يجبر عليه ، وإذا لم نعتبر الرضا جاز ألا نعتبر القبض كالشفعة ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، هذا آخر ما نقله الرافعي رحمه الله .
( فرع ) قال المتولي : لو nindex.php?page=treesubj&link=24756باع شيئا هو في يد المشتري قبل الشراء ، فإن كان في يده بجهة ضمان كغصب أو عارية أو سوم صار بمجرد الشراء مقبوضا له ، لأن البيع جهة ضمان أيضا ، فيسقط ضمان القيمة ويحصل ضمان المشتري وإن كان في يده بجهة أمانة كوديعة أو وكالة أو شركة أو قراض صار بمجرد البيع مقبوضا له ، ولا يحتاج إلى إذن في القبض ، وهل يشترط مضي زمان يتأتى فيه النقص إذا كان المبيع غائبا عن مجلس العقد ؟ فيه وجهان ، قال : ولنا وجه ضعيف أن من اشترى شيئا في يده لا يصح قبضه إياه قبل أداء الثمن إلا بإذن البائع ، قال : ولو nindex.php?page=treesubj&link=5599باع الرهن للمرتهن بالدين لم يشترط الإذن في القبض بلا خلاف ، وفي اشتراط مضي الزمان والنقل ما سبق من الخلاف .
( فرع ) قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : قول الأصحاب : إنه nindex.php?page=treesubj&link=24756إذا نقله من زاوية من دار البائع إلى زاوية لا يحصل القبض ، لأن الدار وما فيها في يد البائع ، وفيه إشكال لأنه إذا أخذه وأثبتناه له لنقله فمجرد هذا قبض ، ولا يتوقف كونه قبضا على وضعه فوضعه بعد احتواء يده عليه في دار البائع لا يخرج ما سبق عن أن يكون قبضا ، بل كأنه قبضه ثم أعاده إلى يد البائع وقد احتج إمام الحرمين لما ذكره الأصحاب بأنه لو nindex.php?page=treesubj&link=24756دخل دار إنسان ثم تنازعا في متاع قريب من الداخل فإن اليد فيه لرب الدار لا للداخل ، وبخلاف ما لو كانت يده محتوية عليه [ ص: 341 ] قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو : وهذا حجة على الإمام ، فإنا لا نجعله قبضا بسبب نقله إلى ملك البائع ، بل لاحتواء يده عليه حالة النقل .
( فإن قيل ) فهذا مبني على ما ذكره الأصحاب أن القبض فيما يتناول باليد التناول وأن الثقيل لا بد فيه من النقل لأن أهل العرف لا يعدون احتواء اليد على هذا قبضا من غير تحويل ، لأن التزاحم لا يصلح قرارا لهذا الثقيل ، فاحتواء اليد عليه حالة الإشالة كعدم الاحتواء لاضطراره إلى إزالته على قرب ( قلنا : ) هذا جواب حسن ، ويتأيد بقوله صلى الله عليه وسلم في الطعام : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17870حتى يحوزه التجار إلى رحالهم } ولكن الإشكال باق ، فإن احتواء اليد عليه حالة الحمل قبض حسي ، ولا يخفى أنه لو نازعه غيره وكانت اليد فيه لمن هو في يده حسنا وصدق في قوله له بيمينه . فإن كان النزاع بينه وبين آخر كان صاحبه مالك موضع النزاع ، هذا آخر كلام nindex.php?page=showalam&ids=12795أبي عمرو - رحمه الله - والجواب المذكور صحيح ، ولا يبقى بعده إشكال يلتفت إليه لأن أهل العرف لا يعدون مجرد دفعه قبضا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فرع ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=22849انقضى الخيار ولزم البيع حصل الملك في المبيع للمشتري ، وفي الثمن للبائع من غير توقف على القبض بلا خلاف ، ونقل المتولي وغيره في إجماع المسلمين واحتج له بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر السابق " كنت أبيع الإبل بالبقيع " إلى آخره .
( فرع ) nindex.php?page=treesubj&link=4449_4446إذا باع بنقد معين أو بنقد مطلق ، وحملناه على نقد الملك ، فأبطل السلطان المعاملة به قبل القبض قال أصحابنا : لا ينفسخ العقد ولا خيار للبائع ، وليس له إلا ذلك النقد المعقود عليه ، كما لو اشترى حنطة فرخصت قبل القبض ، أو أسلم فيها فرخصت قبل المحل ، فليس له غيرها ، هكذا قطع به الجمهور ، وحكى البغوي والرافعي وجها [ ص: 342 ] أن البائع مخير إن شاء أجاز البيع بذلك النقد ، وإن شاء فسخه ، كما لو تغيب قبل القبض والمذهب الأول ، قال المتولي وغيره : ولو جاء المشتري بالنقد الذي أحدثه السلطان لم يلزم البائع قبوله ، فإن تراضيا به فهو اعتياض وحكمه حكم الاعتياض عن الثمن ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رواية أنه يجب قبوله وعنه رواية أنه ينفسخ البيع ، دليلنا عليه في الأول أنه غير الذي التزمه المشتري فلم يجب قبوله ، كما لو اشترى بدراهم وأحضر دنانير . ودليلنا في الثاني أن المقصود عليه باق مقدور على تسليمه فلم يفسخ العقد فيه كما لو اشترى شيئا في حال الغلاء فرخصت الأسعار .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=24757_24756مذاهب العلماء في حقيقة القبض ، قد ذكرنا أن مذهبنا أن القبض في العقار ونحوه بالتخلية ، وفي المنقول بالنقل ، وفي المتناول باليد التناول ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : القبض في جميع الأشياء بالتخلية قياسا على العقار ، دليلنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت الذي ذكره المصنف ، والمعنى الذي ذكره المصنف ( فإن قيل ) فحوزه إلى الرحال ليس بشرط الإجماع ( قلنا ) دل الحديث على أصل النقل ، وأما التخصيص بالرحال فخرج على الغالب ، ودل الإجماع أنه ليس بشرط في أصل النقل ( والجواب ) عن القياس على العقار أنه لا يمكن فيه إلا التخلية ، ولأنها قبض له في العرف بخلاف المنقول والله سبحانه أعلم . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي للمذهب بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37733كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم - رحمه الله - ، وفي رواية { nindex.php?page=hadith&LINKID=24937كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وفي رواية عنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=9537رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في أن يبيعوه مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم رحمهما الله تعالى .