الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  132 71 - حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد الله بن داود ، عن الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي قال : كنت رجلا مذاء ، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فقال : فيه الوضوء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم ستة :

                                                                                                                                                                                  الأول : مسدد بن مسرهد .

                                                                                                                                                                                  الثاني : عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الخريبي نسبة إلى خريبة بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة ، وهي محلة بالبصرة أبو محمد أو أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي الأصل ، قال يحيى بن معين : ثقة مأمون ، وقال أبو زرعة ومحمد بن سعد : كان ثقة ناسكا ، ويقال عنه أنه قال : ما كذبت كذبة قط إلا مرة في صغري ، قال لي أبي : ذهبت إلى المكان فقلت : بلى ، ولم أكن ذهبت .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو حاتم : كان يميل إلى الرأي ، وكان صدوقا ، روى له الجماعة إلا مسلما ، توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين ، وليس في البخاري والكتب الأربعة عبد الله بن داود غير هذا ، نعم في الترمذي آخر واسطي مختلف فيه .

                                                                                                                                                                                  الثالث : سليمان الأعمش .

                                                                                                                                                                                  الرابع : منذر بضم الميم وسكون النون وكسر الذال المعجمة ابن يعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام أبو يعلى الثوري بالثاء المثلثة الكوفي ، وثقه أحمد بن عبد الله وعبد الرحمن ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : محمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، أبو القاسم ، والحنفية أمه وهي خولة بنت جعفر الحنفي اليمامي ، وكانت من سبي بني حنيفة ، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه ، مات سنة ثمانين أو إحدى وثمانين أو أربع عشرة ومائة ، ودفن بالبقيع ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  السادس : علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والعنعنة .

                                                                                                                                                                                  ومنها أن رواته ما بين بصري وكوفي وحجازي .

                                                                                                                                                                                  ومنها أن فيه رواية التابعي وهو الأعمش ، يروي عن غير التابعي وهو منذر .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : لا يعلم أحد أسند عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الطهارة عن قتيبة عن جرير ، قال : ورواه شعبة ، وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر عن وكيع وأبي معاوية وهشيم ، وعن يحيى بن حبيب بن عربي عن خالد بن الحارث عن شعبة خمستهم عن الأعمش عن المنذر به .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في الطهارة ، وفي العلم عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث ، وهذا الحديث روي من وجوه مختلفة ، فأخرجه مسلم من حديث عبد الله بن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال : قال علي رضي الله عنه : " أرسلت المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : توضأ وانضح فرجك " وأخرج النسائي عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال : قال علي رضي الله عنه : كنت رجلا مذاء ، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي ، فاستحييت أن أسأل ، فقلت لرجل جالس إلى جنبي : سله ، فسأله فقال : فيه الوضوء ، وأخرج الترمذي ، عن محمد بن عمر ، وحدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد ، وعن محمود بن غيلان ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن علي قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال : من المذي الوضوء ، ومن المني الغسل " قال : حديث حسن صحيح ، وأخرج أحمد في مسنده عن أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن علي رضي الله عنه قال : " كنت رجلا مذاء ، فإذا أمذيت اغتسلت ، وأمرت المقداد فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فضحك فقال : فيه [ ص: 215 ] الوضوء " . : وأخرج أبو داود : حدثنا قتيبة ، عن سعيد ، حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء ، عن أبي بكر بن الربيع ، عن حصين بن قبيصة ، عن علي رضي الله عنه قال : " كنت رجلا مذاء ، فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري ، قال : فذكرت ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام - أو ذكر له - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة ، فإذا نضحت الماء فاغتسل " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أحمد والطبراني أيضا ، وأخرج النسائي عن قتيبة ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن عايش بن أنس قال : " سمعت عليا رضي الله عنه على المنبر يقول : كنت رجلا مذاء ، فأردت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت عنه ; لأن ابنته كانت تحتي فأمرت عمارا فسأله فقال : يكفي منه الوضوء " .

                                                                                                                                                                                  وأخرج الطحاوي عن إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أمية بن بسطام قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا روح بن القاسم ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن إياس بن خليفة ، عن رافع بن خديج " أن عليا رضي الله عنه أمر عمارا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي قال : يغسل مذاكيره ويتوضأ " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي عن عثمان بن عبد الله ، عن أمية بن بسطام ... إلى آخره نحوه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان اللغة والإعراب ) : قوله : " رجلا " خبر كان ، ومذاء بالنصب صفته وهو على وزن فعال بالتشديد للمبالغة في كثرة المذي ، وقد مذى الرجل يمذي من باب ضرب يضرب ، وأمذى والمذاء المماذاة فعال منه ، ويقال : مذى بالتشديد أيضا والمذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وبكسر الذال وتشديد الياء وبكسر الذال المعجمة وتخفيف الياء ، حكي ذلك عن ابن الأعرابي وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند الملاعبة والتقبيل ، وقال ابن الأثير : هو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء ولا يعقبه فتور ، وربما لا يحس بخروجه وهو في النساء أكثر منه في الرجال ، وقال الأموي : المذي والودي مشددتان كالمني .

                                                                                                                                                                                  قلت : المشهور أن الودي بفتح الواو وسكون الدال هو البلل اللزج يخرج من الذكر بعد البول ، يقال : ودي ، ولا يقال : أودى قاله الجوهري ، وقال غيره : يقال أودى أيضا ، وقيل : التشديد أصح وأفصح من السكون ، والمني بتشديد الياء ماء خاثر أبيض يتولد منه الولد وينكسر به الذكر ، يقال : مني الرجل وأمنى ومنى مشددا الكل بمعنى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فأمر المقداد " جملة من الفعل والفاعل والمفعول .

                                                                                                                                                                                  والمقداد بكسر الميم وسكون القاف وبالمهملتين ابن عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي ، ويقال له : ابن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث رباه أو تبناه أو حالفه أو تزوج بأمه ، ويقال له : الكندي لأنه أصاب دما في بهراء ، فهرب منهم إلى كندة ، فحالفهم ثم أصاب فيهم دما ، فهرب إلى مكة فحالف الأسود وهو قديم الصحبة من السابقين في الإسلام ، قيل أنه سادس ستة شهد بدرا ولم يثبت أنه شهد فيه فارس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره ، وقيل : إن الزبير رضي الله عنه أيضا كان فارسا روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وأربعون حديثا ، اتفقا على حديث واحد ، ولمسلم ثلاثة ، مات بالجرف وهو على عشرة أميال من المدينة ، ثم حمل على رقاب الرجال إليها سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان ، وصلى عليه عثمان رضي الله عنه وهو ابن سبعين سنة ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن يسأل " أي : بأن يسأل وأن مصدرية أي بالسؤال عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيه الوضوء “ جملة اسمية لأن الوضوء مبتدأ ، وقوله فيه مقدما خبره ويتعلق فيه بمحذوف تقديره الوضوء واجب فيه ، ويجوز أن يكون ارتفاع الوضوء على الفاعلية والتقدير يجب فيه الوضوء .

                                                                                                                                                                                  ( بيان المعاني ) قوله : " فأمرت المقداد " ليس هو أمر الوجوب للقرينة الدالة على عدم الوجوب ، وأيضا الدال على الوجوب هو صيغة الأمر لا لفظة أمر ، وليست ها هنا صيغة فافهم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فسأله " أي : عن حكم المذي من وجوب الوضوء ، يقال : سألته الشيء وسألته عن الشيء سؤالا ، وقد تعدى بنفسه إلى المفعول الأول وبعن وبفي إلى الثاني ، وبالعكس ، وقد تخفف همزته فيقال : سأله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقال " أي : النبي صلى الله عليه وسلم فيه أي : المذي ، الوضوء ، لا يقال إنه إضمار قبل الذكر لأنا نقول : إن قوله : " مذاء " يدل على المذي وهذه العبارة تدل على أن عليا رضي الله عنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يقل : قال المقداد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولئن قلنا : إنه لم يسمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فحكمه حكم مرسل الصحابي رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  ( بيان استنباط الأحكام ) :

                                                                                                                                                                                  الأول : فيه دليل على أن المذي لا يوجب الغسل بل يوجب الوضوء ، فإنه نجس ، ولهذا يجب منه غسل الذكر والمراد منه عند الشافعي غسل ما أصابه منه ، واختلف عن مالك في غسل الذكر كله .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 216 ] قال عياض : والخلاف مبني على أنه هل يتعلق الحكم بأول الاسم أو بآخره لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " يغسل ذكره " واسم الذكر يطلق على البعض وعلى الكل ، واختلف عن مالك أيضا : هل يحتاج إلى النية أم لا ، وعن الزهري لا يغسل الأنثيين من المذي إلا أن يكون أصابهما شيء ، وفي المغني لابن قدامة المذي ينقض الوضوء ، وهو ما يخرج لزجا متسبسبا عند الشهوة فيكون على رأس الذكر ، واختلفت الرواية في حكمه ، فروي أنه لا يوجب الاستنجاء والوضوء ، والرواية الثانية يجب غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء ، وقال أبو عمر : المذي عند جميعهم يوجب الوضوء ما لم يكن خارجا عن علة باردة وزمانة ، فإن كان كذلك فهو أيضا كالبول عند جميعهم ، فإن كان سلسا لا ينقطع فحكمه حكم سلس البول عند جميعهم أيضا ، إلا أن طائفة توجب الوضوء على من كانت هذه حاله لكل صلاة قياسا على المستحاضة عندهم ، وطائفة تستحبه ولا توجبه ، وأما المذي المعهود والمتعارف وهو الخارج عند ملاعبة الرجل أهله لما يجري من اللذة أو لطول عزبة ، فعلى هذا المعنى خروج السؤال في حديث علي رضي الله تعالى عنه ، وعليه يقع الجواب وهو موضع إجماع لا خلاف بين المسلمين في إيجاب الوضوء منه وإيجاب غسله لنجاسته .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع لأن عليا رضي الله تعالى عنه بعث من يسأل له مع القدرة على المشافهة ، قال بعضهم : لعل عليا رضي الله تعالى عنه كان حاضرا وقت السؤال فلا دليل عليه ، لكن يضعف هذا قوله في بعض طرقه فأرسلنا المقداد ، وفي هذا إشارة إلى أنه لم يحضر مجلس السؤال .

                                                                                                                                                                                  قلت : فيه نظر لأنه يجوز أن يكون قد حضره بعد إرساله المقداد ، وقال المازري : لم يتبين في هذا الحديث كيف أمره أن يسأل ولا كيفية سؤال المقداد هل سأله سؤالا يخص المقداد أو يعمه وغيره ، فإن كان علي رضي الله عنه لم يسأل على أي وجه وقع السؤال ففيه دليل على أن عليا رضي الله عنه كان يرى أن القضايا تتعدى .

                                                                                                                                                                                  وقد اختلف أهل الأصول لأنه لو كان لا يتعدى لأمره أن يسميه إذ قد يجوز أن يبيح له ما لا يبيح لغيره ، لكنه قد جاء مبينا في الصحيح " فسأله المقداد عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به ؟ فقال : توضأ وانضح فرجك " .

                                                                                                                                                                                  قلت : قد جاء مبينا كلاهما أمر علي وسؤال المقداد ، أما الأول ففي الموطأ " أن عليا رضي الله عنه أمر المقداد أن يسأل له رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ، ماذا عليه ؟ قال المقداد : فسألته عن ذلك " ، وجاء أيضا في النسائي ما يثبت الاحتمال المتقدم " فقلت لرجل جالس إلى جنبي : سله ، فقال : فيه الوضوء " .

                                                                                                                                                                                  الثالث : فيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار وأن الزوج ينبغي أن لا يذكر ما يتعلق بالجماع والاستمتاع بحضرة أبوي المرأة وأختها وغيرهما من أقاربهما ; لأن المعنى أن المذي يكون غالبا عند ملاعبة الزوجة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : احتج به أبو حنيفة والشافعي على وجوب الوضوء من المذي مطلقا سواء كان عند ملاعبة أو استنكاح أو غيره ، وقال أصحاب مالك المراد به ما كان عن ملاعبة ، واستدل عياض وغيره لذلك بما وقع في الموطأ في الحديث أنه قال في السؤال عن الرجل إذا دنا من أهله وأمذى : ماذا عليه ؟ قال : فجواب النبي صلى الله عليه وسلم في مثله في المعتاد بخلاف المستنكح والذي به علة ، فإنه لا وضوء عليه ، قالوا : وإنما يتوضأ مما جرت العادة به أن يخرج من لذة ، وقال القاضي عبد الوهاب مؤيدا لمذهبهم : السؤال صدر عن المذي الخارج على وجه اللذة لقوله : إذا دنا من أهله وأيضا مما يدل عليه استحياء علي رضي الله عنه لأنه لو كان على مرض أو سلس لم يستح من ذلك .

                                                                                                                                                                                  قلت : فيما قالوه نظر ; لأن سؤال المقداد النبي عليه الصلاة والسلام أولا مطلق غير مقيد ، فإنه جاء في الصحيح : فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به ؟ قال : اغسل ذكرك وتوضأ ، فالحكم متعلق بسؤال المقداد الذي وقع الجواب عنه فصار أمر علي رضي الله عنه أجنبيا عن الحكم ، وقول القاضي عبد الوهاب حكاية قول علي للمقداد وهو حاضر ، وأما سؤال المقداد فكان عاما وهو من فقه المقداد ، فوقع السؤال من المقداد عاما والجواب من النبي عليه الصلاة والسلام مترتب عليه ، والتمسك بقول المقداد : فسألته عن ذلك ، لا يعارض النص بصريح سؤاله ، والأول محتمل للتأويل في تعيين ما يرجع الإشارة إليه ، وأما ثانيا فإنه قد جاء في سنن أبي داود ما يدل على خلافه وهو من علي رضي الله عنه قال " كنت رجلا مذاء ، فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري " فهذا يدل على كثرة وقوعه منه ومعاودته ، وجاء فيه أيضا " أن عليا أمر عمارا أن يسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : " يغسل مذاكيره ويتوضأ " ، وفي بعضها : " كنت رجلا مذاء فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام من [ ص: 217 ] أجل ابنته عندي " وفي بعض طرقه في أبي داود " فليغسل ذكره وأنثييه " وروي عن عائشة رضي الله عنها وغيرها أنه يجب غسل أنثييه ، وهذا خلاف قول الجمهور ، وأول الجمهور هذه الرواية على الاستظهار ، وفي بعض أحوال انتشاره ، ويقال : إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي وكسره على أن الحديث الذي فيه هذه الزيادة قد علل بالإرسال وغيره .

                                                                                                                                                                                  فائدة : فإن قلت : قد جاء أنه أمر مقدادا ، وجاء أنه أمر عمارا ، وجاء أنه سأل بنفسه ، فكيف التوفيق بينهما ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : يحتمل على أنه أرسلهما ثم سأل بنفسه ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية