الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        5 - الرحلة في طلب العلم

                                                                                                                        6022 - أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : حدثني أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رحمة الله علينا وعلى موسى . لولا أنه عجل واستحيا وأخذته ذمامة من صاحبه ، فقال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا " قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه ، فقال : رحمة الله علينا وعلى [ ص: 427 ] أخي صالح ، رحمة الله علينا وعلى أخي عاد ، ثم قال : " إن موسى صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم : ما في الأرض أعلم مني . فأوحى الله إليه ، أن في الأرض من هو أعلم منك ، وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته ، فهو حيث فقدته ، فانطلق هو وفتاه حتى بلغ المكان الذي أمروا به ، فلما انتهوا إلى الصخرة ، انطلق موسى صلى الله عليه وسلم يطلب ، ووضع فتاه الحوت على الصخرة ، فاضطرب فاتخذ سبيله في البحر سربا ، فقال فتاه : إذا جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثته فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال ، ولم يكن يصيبه ما يصيب المسافر من النصب والكلال ، حتى جاز ما أمر به ، قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، فقال له فتاه : يا نبي الله ، أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت أن أحدثك ، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ، قال : ذلك ما كنا نبغي فرجعا على آثارهما قصصا ، يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى . فإذا هو متسج ثوبا ، فسلم فرفع رأسه ، فقال : من أنت ؟ فقال : موسى . قال : من موسى ؟ قال : موسى بني إسرائيل ، قال : فما لك ؟ قال : أخبرت أن عندك علما، [ ص: 428 ] فأردت أن أصحبك ، قال إنك لن تستطيع معي صبرا ، قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ، قال : وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ؟ قال : قد أمرت أن أفعله ، ستجدني إن شاء الله صابرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها ، فقال له موسى : أتخرقها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئا إمرا ، قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ، فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر فيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ، ولا أنظف منه فقتله ، فنفر موسى صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، وقال : أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ، قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ، قال : فأخذته ذمامة من صاحبه فاستحيا ، فقال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية لئام ، وقد أصاب موسى جهد فلم يضيفوهما ، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ، فقال له موسى - مما نزل به من الجهد - لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك ، فأخذ موسى بطرف ثوبه ، فقال : حدثني ، فقال : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ، فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشبة ، فانتفعوا بها ، وأما الغلام ، فكان يوم طبع طبع [ ص: 429 ] كافرا ، وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ، ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا ، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ، فوقع أبوه على أمه فولدت خيرا منه زكاة وأقرب رحما ، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنـزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        الخدمات العلمية