الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ والبينة ] التي هي الحجة الشرعية : تارة تكون بشاهدين عدلين رجلين . وتارة رجل وامرأتين . وتارة أربع شهداء وتارة ثلاثة عند بعض العلماء من أصحاب أحمد وبعض أصحاب الشافعي وهو دعوى الإفلاس فيمن علم أن له مالا فقد جاء في صحيح مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحل المسألة لأحد إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ; ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ; ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه يقولون لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ; فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا } ولأن الغنى من الأمور الخفية التي تقوى بها التهمة بإخفاء المال . وتارة تكون الحجة شاهدا ويمين الطالب عند جمهور فقهاء الإسلام من أهل الحجاز وفقهاء الحديث . وتارة تكون الحجة نساء : إما امرأة عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وإما امرأتين عند مالك وأحمد في رواية وإما أربع نسوة عند الشافعي . وتارة تكون الحجة غير ذلك . [ ص: 395 ]

                وتارة تكون الحجة اللوث واللطخ والشبهة مع أيمان المدعي خمسين يمينا وهي القسامة التي يبدأ فيها بأيمان المدعي عند عامة فقهاء الحجاز وأهل الحديث . وتمتاز عن غيرها بأن اليمين فيها خمسون يمينا كما امتازت أيمان اللعان بأن كانت أربع شهادات بالله لأن كل يمين أقيمت مقام شاهد . والقسامة توجب القود عند مالك وأحمد وتوجب الدية فقط عند الشافعي . وأهل الرأي لا يحلفون فيها إلا المدعى عليه كما تقدم مع أنهم مع تحليفه يوجبون عليه الدية . على تفصيل معروف ليس الغرض هنا ذكره وإنما الغرض التنبيه على مجامع الأحكام في الدعاوى فإنه باب عظيم والحاجة إليه شديدة عامة . وقد وقع فيه التفريط من بعض ولاة الأمور والعدوان من بعضهم ما أوجب الجهل بالحق والظلم للخلق وصار لفظ " الشرع " غير مطابق لمسماه الأصلي ; بل لفظ الشرع في هذه الأزمنة " ثلاثة أقسام " . " أحدها " الشرع المنزل وهو الكتاب والسنة واتباعه واجب من خرج عنه وجب قتله ويدخل فيه أصول الدين وفروعه ; وسياسة الأمراء وولاة المال وحكم الحكام ومشيخة الشيوخ وغير ذلك فليس لأحد من الأولين والآخرين خروج عن طاعة الله ورسوله . و " الثاني " الشرع المؤول وهو موارد النزاع والاجتهاد بين الأمة فمن أخذ فيما يسوغ فيه الاجتهاد أقر عليه ولم تجب على جميع الخلق موافقته إلا بحجة لا مرد لها من الكتاب والسنة . [ ص: 396 ] و " الثالث " الشرع المبدل مثل ما يثبت من شهادات الزور أو يحكم فيه بالجهل والظلم بغير العدل والحق حكما بغير ما أنزل الله أو يؤمر فيه بإقرار باطل لإضاعة حق : مثل أمر المريض أن يقر لوارث بما ليس بحق ليبطل به حق بقية الورثة فإن الأمر بذلك والشهادة عليه محرمة وإن كان الحاكم الذي لم يعرف باطن الأمر إذا حكم بما ظهر له من الحق لم يأثم فقد قال سيد الحكام صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : { إنكم تختصمون إلي ; ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار }

                التالي السابق


                الخدمات العلمية