الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7115 ) فصل : وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه ، كالذمي والمستأمن ، فأسلم ، لم يثبت له حكم [ ص: 30 ] الإسلام ، حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا ، مثل أن يثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه عنه . فإن مات قبل ذلك ، فحكمه حكم الكفار . وإن رجع إلى دين الكفر ، لم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام .

                                                                                                                                            وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وقال محمد بن الحسن : يصير مسلما في الظاهر ، وإن رجع عنه قتل إذا امتنع عن الإسلام لعموم قوله { : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها ، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها . } ولأنه أتى بقول الحق ، فلزمه حكمه كالحربي إذا أكره عليه . ولنا ، أنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه ، فلم يثبت حكمه في حقه ، كالمسلم إذا أكره على الكفر ، والدليل على تحريم الإكراه قوله تعالى : { لا إكراه في الدين } . وأجمع أهل العلم على أن الذمي - إذا أقام على ما عوهد عليه - ، والمستأمن لا يجوز نقض عهده ، ولا إكراهه على ما لم يلتزمه .

                                                                                                                                            ولأنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه ، فلم يثبت حكمه في حقه ، كالإقرار والعتق . وفارق الحربي والمرتد ; فإنه يجوز قتلهما ، وإكراههما على الإسلام ، بأن يقول : إن أسلمت وإلا قتلناك . فمتى أسلم ، حكم بإسلامه ظاهرا . وإن مات قبل زوال الإكراه عنه ، فحكمه حكم المسلمين ; لأنه أكره بحق ، فحكم بصحة ما يأتي به ، كما لو أكره المسلم على الصلاة فصلى ، وأما في الباطن ، فيما بينهم وبين ربهم ، فإن من اعتقد الإسلام بقلبه ، وأسلم فيما بينه وبين الله تعالى ، فهو مسلم عند الله ، موعود بما وعد به من أسلم طائعا ، ومن لم يعتقد الإسلام بقلبه ، فهو باق على كفره ، لا حظ له في الإسلام ، سواء في هذا من يجوز إكراهه ، ومن لا يجوز إكراهه ، فإن الإسلام لا يحصل بدون اعتقاده من العاقل ، بدليل أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام ، ويقومون بفرائضه ، ولم يكونوا مسلمين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية