الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      384 حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت قلت يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا قال أليس بعدها طريق هي أطيب منها قالت قلت بلى قال فهذه بهذه [ ص: 37 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 37 ] ( عن امرأة من بني عبد الأشهل ) هي صحابية من الأنصار كما ذكره الإمام ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة ، وجهالة الصحابي لا تضر ، لأن الصحابة كلهم عدول . وقال الخطابي في المعالم : والحديث فيه مقال لأن امرأة من بني عبد الأشهل مجهولة والمجهول لا تقوم به الحجة في الحديث . انتهى . ورد عليه المنذري في مختصره فقال ما قاله الخطابي ، ففيه نظر ، فإن جهالة اسم الصحابي غير مؤثرة في صحة الحديث . انتهى ( إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة ) من النتن ، أي ذات نجسة . والطريق يذكر ويؤنث ، أي فيهما أثر الجيف والنجاسات ( إذا مطرنا ) على بناء المجهول ، أي إذا جاءنا المطر ( أليس بعدها ) أي بعد ذلك الطريق ( طريق هي أطيب منها ) أي أطهر بمعنى الطاهر ( فهذه بهذه ) أي ما حصل التنجس بتلك يطهره انسحابه على تراب هذه الطيبة .

                                                                      قال الشيخ الأجل ولي الله المحدث الدهلوي في المسوى شرح الموطأ تحت حديث أم سلمة : إن أصاب الذيل نجاسة الطريق ثم مر بمكان آخر واختلط به بمكان آخر واختلط به طين الطريق وغبار الأرض وتراب ذلك المكان ويبست النجاسة المعلقة فيطهر الذيل المنجس بالتناثر أو الفرك ، وذلك معفو عنه من الشارع بسبب الحرج والضيق ، كما أن غسل العضو والثوب من دم الجراحة معفو عنه عند المالكية بسبب الحرج ، وكما أن النجاسة الرطبة التي أصابت الخف تزيل بالدلك ويطهر الخف به عند الحنفية والمالكية بسبب الحرج ، وكما أن الماء المستنقع الواقع في الطريق وإن وقع فيه نجاسة معفو عنه عند المالكية بسبب الحرج . وإني لا أجد الفرق بين الثوب الذي أصابه دم الجراحة والثوب الذي أصابه المستنقع النجس وبين الذيل الذي تعلقت به نجاسة رطبة ثم اختلط به تراب الأرض وغبارها وطين الطريق فتناثرت به النجاسة أو زالت بالفرك فإن حكمها واحد . وما قال البغوي إن هذا الحديث محمول على النجاسة اليابسة التي أصابت الثوب ثم تناثرت بعد ذلك ، ففيه نظر ، لأن النجاسة التي تتعلق بالذيل في المشي في المكان القذر تكون رطبة في غالب الأحوال ، وهو معلوم بالقطع في عادة الناس ، فإخراج الشيء [ ص: 38 ] الذي تحقق وجوده قطعا أو غالبا عن حالته الأصلية بعيد . وأما طين الشارع يطهره ما بعده ففيه نوع من التوسع في الكلام ، لأن المقام يقتضي أن يقال هو معفو عنه أو لا بأس به ، لكن عدل منه بإسناد التطهير إلى شيء لا يصلح أن يكون مطهرا للنجاسة ، فعلم أنه معفو عنه ، وهذا أبلغ من الأول انتهى كلامه .




                                                                      الخدمات العلمية