الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 531 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : تأويله : ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها .

ذكر من قال ذلك :

4766 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو عاصم عن جويبر عن الضحاك في قوله : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " ، قال : إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن ، فعليه أن يحسن صحبتها ، ويكف عنها أذاه ، وينفق عليها من سعته .

4767 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " ، قال : يتقون الله فيهن ، كما عليهن أن يتقين الله فيهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولهن على أزواجهن من التصنع والمواتاة مثل الذي عليهن لهم في ذلك .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 532 ]

4768 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن بشير بن سلمان عن عكرمة عن ابن عباس قال : إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي; لأن الله تعالى ذكره يقول : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف "

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل الآية عندي : وللمطلقات واحدة أو ثنتين - بعد الإفضاء إليهن - على بعولتهن أن لا يراجعوهن في أقرائهن الثلاثة إذا أرادوا رجعتهن فيهن ، إلا أن يريدوا إصلاح أمرهن وأمرهم ، وألا يراجعوهن ضرارا كما عليهن لهم إذا أرادوا رجعتهن فيهن ، أن لا يكتمن ما خلق [ ص: 533 ] الله في أرحامهن من الولد ودم الحيض ضرارا منهن لهم ليفتنهم بأنفسهن

ذلك أن الله تعالى ذكره نهى المطلقات عن كتمان أزواجهن في أقرائهن ما خلق الله في أرحامهن ، إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ، وجعل أزواجهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ، فحرم الله على كل واحد منهما مضارة صاحبه ، وعرف كل واحد منهما ما له وما عليه من ذلك ، ثم عقب ذلك بقوله : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " فبين أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته ، مثل الذي له على صاحبه من ذلك .

فهذا التأويل هو أشبه بدلالة ظاهر التنزيل من غيره .

وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منهما لصاحبه داخلا في ذلك ، وإن كانت الآية نزلت فيما وصفنا ، لأن الله تعالى ذكره قد جعل لكل واحد منهما على الآخر حقا ، فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه مثل الذي عليه له ، فيدخل حينئذ في الآية ما قاله الضحاك وابن عباس وغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية