الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مقتل عمير بن الحباب بن جعدة السلمي

في هذه السنة قتل عمير بن الحباب بن جعدة السلمي ، ونحن نذكر سبب الحرب بين قيس وتغلب حتى آل الأمر إلى قتل عمير .

وكان سبب ذلك أنه لما انقضى أمر مرج راهط ، وسار زفر بن الحارث الكلائي إلى قرقيسيا ، على ما ذكرناه ، وبايع عمير مروان بن الحكم وفي نفسه ما فيها بسبب قتل قيس بالمرج ، فلما سير مروان بن الحكم عبيد الله بن زياد إلى الجزيرة والعراق كان عمير معه ، فلقوا سليمان بن صرد بعين الوردة ، وسار عبيد الله إلى قرقيسيا لقتال زفر ، فثبطه عمير ، وأشار عليه بالمسير إلى الموصل قبل وصول جيش المختار إليها ، وسار إليها ولقي إبراهيم بن الأشتر بالخازر ، فمال عمير معه ، فانهزم جيش عبيد الله وقتل هو ، فأتى عمير قرقيسيا وصار مع زفر ، فجعلا يطلبان كلبا واليمانية بمن قتلوا من قيس ، وكان معهما قوم من تغلب يقاتلون معهما ويدلونهما .

[ ص: 366 ] وشغل عبد الملك عنهما بمصعب ، وتغلب عمير على نصيبين . ثم إنه مل المقام بقرقيسيا ، فاستأمن إلى عبد الملك فآمنه ، ثم غدر به فحبسه عند مولاه الريان ، فسقاه عمير ومن معه من الحرس خمرا حتى أسكرهم ، وتسلق في سلم من حبال ، وخرج من الحبس وعاد إلى الجزيرة ، ونزل على نهر البليخ بين حران والرقة ، فاجتمعت إليه قيس ، فكان يغير بهم على كلب واليمانية ، وكان من معه يستأوون جواري تغلب ، ويسخرون مشايخهم من النصارى ، فهاج ذلك بينهم شرا لم يبلغ الحرب ، وذلك قبل مسير عبد الملك إلى مصعب وزفر .

ثم إن عميرا أغار على كلب ، ثم رجع فنزل على الخابور ، وكانت منازل تغلب بين الخابور والفرات ودجلة . وكانت بحيث نزل عمير امرأة من تميم ناكح في تغلب يقال لها أم دويل ، فأخذ غلام من بني الحريش أصحاب عمير عددا من غنمها ، فشكت إلى عمير ، فلم يمنع عنها ، فأخذوا الباقي ، فمانعهم قوم من تغلب ، فقتل رجل منهم يقال له مجاشع التغلبي ، وجاء دويل فشكت أمه إليه ، وكان فارسا من فرسان تغلب ، فسار في قومه ، وجعل يذكرهم ما تصنع بهم قيس ، ويشكوا إليهم ما أخذ من غنم أمه ، فاجتمع منهم جماعة ، وأمروا عليهم شعيث بن مليك التغلبي ، وأغاروا على بني الحريش ومعهم قوم من نمير ، فقتل فيهم التغلبيون ، واستاقوا ذودا لامرأة منهم يقال لها أم الهيثم ، فمانعهم القيسيون فلم يقدروا على منعهم ، فقال الأخطل :

فإن تسألونا بالحريش فإننا منينا بنوك منهم وفجور     غداة تحامتنا الحريش كأنها
كلاب بدت أنيابها لهرير     وجاؤوا بجمع ناصر أم هثيم
فما رجعوا من ذودها ببعير



التالي السابق


الخدمات العلمية