الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3906 حدثنا القعنبي عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( في إثر سماء ) أي : عقب مطر . قال النووي : هو بكسر الهمزة وإسكان الثاء وفتحهما جميعا لغتان مشهورتان والسماء المطر .

                                                                      قال الخطابي : والعرب تسمي المطر سماء لأنه من السماء ينزل ، والنوء واحد الأنواء [ ص: 320 ] وهي الكواكب الثمانية والعشرون التي هي منازل القمر كانوا يزعمون أن القمر إذا نزل ببعض تلك الكواكب فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم وجعل المطر من فعل الله - سبحانه - دون فعل غيره انتهى . ( كانت ) أي : كان المطر وتأنيثه باعتبار معنى الرحمة أو لفظ السماء والجملة صفة سماء وقوله : ( من الليل ) ظرف لها أي في بعض أجزائه وأوقاته ( ماذا ) أي : أي شيء ( قال ) النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال ) الله تعالى ( مطرنا ) بصيغة المجهول ( بنوء كذا وكذا ) أي : بسقوط نجم وطلوع نظيره على ما سبق . قال في القاموس النوء النجم مال للغروب وقال ابن الأثير : إنما سمي نوءا لأنه سقط الساقط منها بالغرب ناء الطالع بالشرق ينوء نوءا أي نهض وطلع وقيل : أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد .

                                                                      قال أبو عبيد : لم نسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع . وإنما غلظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر الأنواء لأن العرب كانت تنسب المطر إليها فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى أراد بقوله : مطرنا بنوء كذا أي : في وقت كذا وهو هذا النوء الفلاني فإن ذلك جائز أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات انتهى .

                                                                      قال النووي : واختلفوا في كفر من قال : مطرنا بنوء كذا على قولين : أحدهما هو كفر بالله - سبحانه - سالب لأصل الإيمان وفيه وجهان : أحدهما أنه من قاله معتقدا بأن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر كزعم أهل الجاهلية فلا شك في كفره وهو قول الشافعي والجماهير وثانيها أنه من قال معتقدا بأنه من الله تعالى بفضله وأن النوء علامة له ومظنة بنزول الغيث فهذا لا يكفر كأنه قال : مطرنا في وقت كذا والأظهر أنه مكروه ؛ لأنه كلمة موهمة متعددة بين الكفر والإيمان فيساء الظن بصاحبها ولأنها شعار أهل الجاهلية والقول الثاني : كفران لنعمة الله تعالى ؛ لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب . ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخرى : " أصبح من الناس شاكرا وكافرا " وفي أخرى : " ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين " .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة بنحوه .

                                                                      [ ص: 321 ]



                                                                      الخدمات العلمية