الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7982 ) مسألة ; قال : ( وعن أبي عبد الله ، فيمن حلف بنحر ولده روايتان ; إحداهما ، كفارة يمين ، والأخرى يذبح كبشا ) اختلفت الرواية فيمن حلف بنحر ولده ، نحو أن يقول : إن فعلت كذا ، فلله علي أن أذبح ولدي . أو يقول : ولدي نحير إن فعلت كذا . أو نذر ذبح ولده مطلقا ، غير معلق بشرط . فعن أحمد ، عليه كفارة يمين . وهذا قياس المذهب ; لأن هذا نذر معصية ، أو نذر لجاج ، وكلاهما يوجب الكفارة . وهو قول ابن عباس ; فإنه روي عنه أنه قال لامرأة نذرت أن تذبح ابنها : لا تنحري ابنك ، وكفري عن يمينك . والرواية الثانية ، كفارته ذبح كبش ، ويطعمه للمساكين . وهو قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            ويروى ذلك عن ابن عباس أيضا ; لأن نذر ذبح الولد جعل في الشرع كنذر ذبح شاة ، بدليل أن الله - تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ، وكان أمرا بذبح شاة ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه ، ودليل أنه أمر بذبح شاة ، أن الله لا يأمر بالفحشاء ، ولا بالمعاصي ، وذبح الولد من كبائر المعاصي . قال الله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } .

                                                                                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وهو خلقك . قيل : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك ; خشية أن يطعم معك } . وقال الشافعي : ليس هذا بشيء ، ولا يجب به شيء ; لأنه نذر معصية لا يجب الوفاء به ، ولا يجوز ، ولا تجب به كفارة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا نذر في معصية ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } . ولقوله عليه السلام : { ومن نذر أن يعصي الله ، فلا يعصه } .

                                                                                                                                            ولنا ، قوله عليه السلام : { لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين } . ولأن النذر حكمه حكم اليمين ، بدليل قوله عليه السلام : { النذر حلفه ، وكفارته كفارة يمين } . فيكون بمنزلة من حلف ليذبحن ولده . وقولهم : إن النذر لذبح الولد كناية عن ذبح كبش . لا يصح ; لأن إبراهيم لو كان مأمورا بذبح كبش ، لم يكن الكبش فداء ، ولا كان مصدقا للرؤيا قبل ذبح الكبش ، وإنما أمر بذبح ابنه ابتلاء ، ثم فدي بالكبش ، وهذا أمر اختص بإبراهيم عليه السلام ، لا يتعداه إلى غيره ، لحكمة علمها الله تعالى فيه . ثم لو كان إبراهيم مأمورا بذبح كبش ، فقد ورد شرعنا [ ص: 409 ] بخلافه ، فإن نذر ذبح الابن ليس بقربة في شرعنا ، ولا مباح ، بل هو معصية ، فتكون كفارته ككفارة سائر نذور المعاصي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية