الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب عدة أصحاب بدر

                                                                                                                                                                                                        3739 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال استصغرت أنا وابن عمر حدثني محمود حدثنا وهب عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين والأنصار نيفا وأربعين ومائتين [ ص: 339 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 339 ] قوله : ( باب عدة أصحاب بدر ) أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ألحق بهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( استصغرت ) بضم أوله ، ومراد البراء أن ذلك وقع عند حضور القتال فعرض من يقاتل فرد من لم يبلغ ، وكانت تلك عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المواطن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنا وابن عمر ) قال عياض : هذا يرده قول ابن عمر " استصغرت يوم أحد " وكذا اعترض به ابن التين وزاد بأن إخبار ابن عمر عن نفسه أولى من إخبار البراء عنه انتهى . وهو اعتراض مردود ؛ إذ لا تنافي بين الإخبارين فيحمل على أنه استصغر ببدر ثم استصغر بأحد ، بل جاء ذلك صريحا عن ابن عمر نفسه وأنه عرض يوم بدر وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغر ، وسيأتي بيان ذلك في غزوة الخندق إن شاء الله تعالى . ثم وجدت في ابن أبي شيبة من طريق مطرف عن أبي إسحاق عن البراء مثل حديث الباب وزاد آخره " وشهدنا أحدا " فهذه الزيادة إن حملت على أن المراد بقوله وشهدنا أحدا نفسه وحده دون ابن عمر ، وإلا فما في الصحيح أصح .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 340 ] قوله : ( وحدثني محمود ) هو ابن غيلان ، ووهب هو ابن جرير بن حازم ، ووقع في نسخة وهب بن جرير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن البراء ) في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن وهب بن جرير بسنده " سمعت البراء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين ) كذا في هذه الرواية ، وسيأتي في آخر الكلام على هذه الغزوة أنهم كانوا ثمانين أو زيادة ، ويأتي وجه التوفيق بينهما هناك إن شاء الله تعالى . وأما ما وقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني " أن الأنصار كانوا سبعين ومائتين " فليس بثابت ، وقد وقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجسري عن شعبة في هذا الحديث " أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين " وهو خطأ في هذه الرواية لإطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والأنصار نيف وأربعين ومائتين ) النيف بفتح النون وتشديد التحتانية وقد تخفف وهو ما بين العقدين : وقال في الأول " نيفا " بنصبه على أنه خبر كان وقال في الثاني " نيف " برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، وقد وقع عند البيهقي بالنصب فيهما وهو واضح وهو الذي وقع في رواية شعبة عن تفصيل عدد المهاجرين والأنصار يوافق جملته ما وقع في رواية زهير وإسرائيل وسفيان أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ، لكن الزيادة على العشر مبهمة ، وقد سبق في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم أنها تسعة عشر ، لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ " بضعة عشر " وللبزار من حديث أبي موسى " ثلاثمائة وسبعة عشر " ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس " كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر " وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمر ، والسلماني أحد كبار التابعين ، ومنهم من وصله بذكر علي ، وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي ، ويقال عن ابن إسحاق : " وأربعة عشر " .

                                                                                                                                                                                                        وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ، ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أبي أيوب الأنصاري قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر فقال لأصحابه : تعادوا . فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ، ثم قال لهم : تعادوا . فتعادوا مرتين ، فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وروى البيهقي أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : " خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر " وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم تعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الرجل الذي أتى آخرا ، وأما الرواية التي فيها وتسعة عشر فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر وكذلك أنس ، فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل " هل شهدت بدرا ؟ فقال : وأين أغيب عن بدر " انتهى ، وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت عنه ؛ لأنه خدمه عشر سنين ، وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدومه المدينة فكأنه خرج معه إلى بدر ، أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة . وحكى السهيلي أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن ، وكان المشركون ألفا ، وقيل : سبعمائة وخمسون ، وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس . ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه قال : " كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر " وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرجه ابن جرير ، وسيأتي من حديث أنس أن ابن [ ص: 341 ] عمته حارثة بن سراقة خرج نظارا وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل ، وعند ابن جرير من حديث ابن عباس " أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال " وقد بين ذلك ابن سعد فقال : " إنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة " وكأنه لم يعد فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر ولم يشهدوها ، وإنما ضرب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم بسهامهم لكونهم تخلفوا لضرورات لهم ، وهم عثمان بن عفان تخلف عند زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإذنه ، وكانت في مرض الموت . وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان عير قريش ، فهؤلاء من المهاجرين . وأبو لبابة رده من الروحاء واستخلفه على المدينة ، وعاصم بن عدي استخلفه على أهل العالية ، والحارث بن حاطب على بني عمرو بن عوف ، والحارث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فرده إلى المدينة ، وخوات بن جبير كذلك ، هؤلاء الذين ذكرهم ابن سعد ، وذكر غيره سعد بن مالك الساعدي والد سهل مات في الطريق ، وممن اختلف فيه هل شهدها أو رد لحاجة سعد بن عبادة وقع ذكره في مسلم ، وصبيح مولى أحيحة رجع لمرضه فيما قيل ، وقيل : إن جعفر بن أبي طالب ممن ضرب له بسهم نقله الحاكم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية