الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3990 حدثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر وكان أناس من الناس يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر الحبشية هذه البحرية هذه قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا قال فما قلت له قالت قلت له كذا وكذا قال ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بردة قالت أسماء فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني [ ص: 554 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 554 ] الحديث الثاني والعشرون حديث أبي موسى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه ) ظاهره أنهم لم يبلغهم شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد الهجرة بمدة طويلة ، وهذا إن كان أراد بالمخرج البعثة ، وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها ، وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك ، وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار ، فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول إليه . وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه " خرجنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جئنا مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك ، ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة " وصححه ابن حبان من هذا الوجه ، ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ، ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة ؛ لأن ذلك كان في الهدنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم ) أما أبو بردة فاسمه عامر ، وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو ابن أخيه عنه ، وأما أبو رهم فهو بضم الراء [ ص: 555 ] وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية ، قاله ابن عبد البر ، وجزم ابن حبان في " الصحابة " بأن اسمه محمد ، ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إما قال بضعا وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي ) في رواية المستملي " من قومه " وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه ، فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته ، فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ، ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته . وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا ، والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والأتباع ، وأما ابن إسحاق فقال : كانوا ستة عشر رجلا وقيل : أقل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوافقنا جعفر بن أبي طالب ) أي بأرض الحبشة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ) اختصر المصنف هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الإسناد وهو " فقال جعفر : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا . فأقمنا معه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى قدمنا جميعا ) ذكر ابن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر ، وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا ، فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوافقنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ) زاد في فرض الخمس " فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه ، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم " وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث . ووقع عند البيهقي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان ناس ) سمى منهم عمر كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دخلت أسماء بنت عميس ) هي زوج جعفر ، وقوله : " وهي ممن قدم معنا " هو كلام أبي موسى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على حفصة ) زاد أبو يعلى " زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عمر : آلحبشية هذه ؟ البحيرية هذه ؟ ) كذا لأبي ذر بالتصغير ، ولغيره " البحرية " بغير تصغير . وكذا في رواية أبي يعلى . ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام ، ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم ، وإلى البحر لركوبها إياه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكنا في دار أو في أرض البعداء ) هو شك من الراوي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( البعداء البغضاء ) كذا للأكثر جمع بغيض وبعيد ، وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء ، [ ص: 556 ] وللنسقي البعد بضمتين ، وللقابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية ، وعند ابن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي " فقالت : أي لعمري لقد صدقت ، كنتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم ، وكنا البعداء والطرداء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وذلك في الله وفي رسوله ) أي لأجلهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وايم الله ) بهمزة وصل ، وفيها لغات تقدم ذكرها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولكم أنتم أهل السفينة ) بنصب أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته ، ويجوز الجر على البدل من الضمير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هجرتان ) زاد أبو يعلى " هاجرتم مرتين ، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي " ولابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال : قالت أسماء بنت عميس : يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين . فقال : بل لكم هجرتان ، هاجرتم إلى أرض الحبشة ، ثم هاجرتم بعد ذلك ومن وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه : " كذب من يقول ذلك " ومن وجه آخر عنه قال : يقول : " للناس هجرة واحدة " وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين ، لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق ، بل من الحيثية المذكورة . وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس ، وقد تقدم في الهجرة بهذا الإسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وكذلك أخرجه ابن حبان ، ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالت ) يعني : أسماء بنت عميس ، وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله ، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا " قال أبو بردة : قالت أسماء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يأتونني ) في رواية الكشميهني " يأتون " وقوله : " أرسالا " بفتح الهمزة أي أفواجا ، أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس . وفي رواية أبي يعلى " ولقد رأيت أبا موسى إنه ليستعيد مني هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث والعشرون .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية