وخلاصة ما تقدم : أن
nindex.php?page=treesubj&link=11007نكاح الكتابيات جائز لا وجه لمنعه ، ونكاح المشركات محرم . وكون لفظ المشركات عاما لجميع الوثنيات ، أو خاصا بمشركات العرب محل اجتهاد وخلاف بين علماء السلف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات : " وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بحكمها مشركات العرب لم ينسخ منها شيء " وروي ذلك عن
قتادة من عدة طرق ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، ولكن هذا قال : " مشركات أهل الأوثان " ولم يمنع ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من عده قائلا بأنها خاصة بمشركات العرب ، ثم قال بعد ذكر سائر روايات الخلاف : " وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله
قتادة من أنه تعالى ذكره عنى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن من لم يكن من
أهل الكتاب [ ص: 159 ] من المشركات ، وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها لم ينسخ منها شيء ، وأن نساء
أهل الكتاب غير داخلات فيها " إلى آخر ما أطال به في بيان حل نكاح الكتابيات .
هذا ما يظهر بالبحث في الدليل ، ولكننا لم نطلع على قول صريح لأحد من العلماء في حل
nindex.php?page=treesubj&link=11005التزوج بما عدا الكتابيات والمجوسيات من غير المسلمين ، وقد صرح بحل المجوسية الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور صاحب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الذي تفقه به حتى صار مجتهدا ، وصرحوا بأن تفرده لا يعد وجها في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فالشافعية لا يبيحون نكاح المجوسية فضلا عن الوثنية الصينية .
ولا يأتي في هذا المقام قول بعض أهل الأصول : إن النهي لا يقتضي البطلان في العقود والمعاملات ، وهو مذهب الحنفية ، فإنهم استثنوا منه النكاح ، وعللوا ذلك بأنه عقد موضوع للحل ، فلما انفصل عنه ما وضع له بالنهي المقتضي للحرمة ، كان باطلا بخلاف البيع ; لأن وضعه للملك لا للحل بدليل مشروعيته في موضع الحرمة كالأمة المجوسية ; فلذلك كان النهي عن شيء منه غير مقتض لبطلان العقد ، فلا يقال عندهم : إن نكاح الصينية يقع صحيحا وإن كان محرما .
وأما البحث في المسألة من جهة حكمة التشريع ، فقد بين - تعالى - ذلك في آية النهي عن التناكح بين المؤمنين والمشركين في آية البقرة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ( 2 : 221 ) وقد وضحنا ذلك في تفسير الآية ، وبينا الفرق بين المشركة والكتابية ، فيراجع في الجزء الثاني من التفسير ( من ص 280 - 284 ط الهيئة ) ومنه أن
أهل الكتاب لكونهم أقرب إلى المؤمنين شرعت موادتهم ; لأنهم بمعاشرتنا ومعرفة حقيقة الإسلام منا بالتخلق والعمل ، يظهر لهم أن ديننا هو عين دينهم مع مزيد بيان وإصلاح يقتضيه ترقي البشر ، وإزالة بدع وأوهام دخلت عليهم من باب الدين ، وما هي من الدين في شيء . وأما المشركون فلا صلة بين ديننا ودينهم قط ; ولذلك دخل
أهل الكتاب في الإسلام مختارين بعدما انتشر بينهم ، وعرفوا حقيقته ، ولو قبلت الجزية من مشركي العرب كما قبلت من
أهل الكتاب لما دخلوا في الإسلام كافة ، ولما قامت لهذا الدين قائمة ، ومن الفرق بينهما في القرب من الإسلام أو الدعوة إلى النار : أن
أهل الكتاب لم يكونوا يعذبون من يقدرون عليه من المسلمين ليرجع عن دينه ، كما كان يفعل مشركو العرب .
ثم إن للإسلام سياسة خاصة في العرب وبلادهم ، وهي : أن تكون جزيرة العرب حرم الإسلام المحمي ، وقلبه الذي تتدفق منه مادة الحياة إلى جميع الأطراف ، وموئله الذي يرجع إليه عند تألب الأعداء عليه ; ولذلك لم يقبل من مشركي جزيرة العرب الجزية حتى لا يبقى فيها مشرك ، بل أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألا يبقى فيها دينان ، كما بينا ذلك في الفتوى الرابعة المنشورة في الجزء الثاني ( ص 97 ) من المجلد ( الثاني عشر ) وتدل
[ ص: 160 ] عليه الأحاديث الواردة في كون الإسلام يأرز في المستقبل إلى
الحجاز ، كما تأرز الحية إلى جحرها ، وهذا يؤيد تفسير
قتادة " المشركين والمشركات " في الآية .
إذا كان الازدواج بين المسلمين والمشركين ينافي هذه السياسة التي هي الأصل الأصيل في انتشار الإسلام ، وكان تزوج المسلمين بالصينيات مدعاة لدخولهن في الإسلام ، كما هو حاصل في بلاد
الصين ، فلا يكون تعليل الآية للحرمة صادقا عليهن ، وكيف يعطى الضد حكم الضد ؟ !
وقد حذرنا في التفسير من التزوج بالكتابية إذا خشي أن تجذب المرأة الرجل إلى دينها ; لعلمها وجمالها ، وجهله وضعف أخلاقه ، كما يحصل كثيرا في هذا الزمان في تزوج بعض ضعفاء المسلمين ببعض الأوربيات ، أو غيرهن من الكتابيات ، فيفتنون بهن ، وسد الذريعة واجب في الإسلام . اهـ .
ملخص هذه الفتوى : أن المشركات اللاتي حرم الله نكاحهن في آية البقرة هن مشركات العرب ، وهو المختار الذي رجحه شيخ المفسرين
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ، وأن
المجوس والصابئين ووثنيي
الهند والصين ، وأمثالهم كاليابانيين - أهل كتب مشتملة على التوحيد إلى الآن ، والظاهر من التاريخ ومن بيان القرآن أن جميع الأمم بعث فيها رسل ، وأن كتبهم سماوية طرأ عليها التحريف كما طرأ على كتب
اليهود والنصارى التي هي أحدث عهدا في التاريخ ، وأن المختار عندنا أن الأصل في النكاح الإباحة ، ولذلك ورد النص بمحرمات النكاح ، وأن قوله - تعالى - بعد بيان محرمات النكاح
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم ( 4 : 24 ) يفيد حل نكاح نسائهم ، فليس لأحد أن يحرمه إلا بنص ناسخ للآية أو مخصص لعمومها ، وقد بينا في تفسير الآية التي نحن بصدد تفسيرها هنا أن الناس أخذوا بمفهوم
أهل الكتاب ، وخصصوا
أهل الكتاب باليهود والنصارى ، وهذا مفهوم مخالفة ، منع الجمهور الاحتجاج به في اللقب ، ولكن جرى العمل على هذا لأنه موافق للشعور الذي غلب على المسلمين في أول نشأتهم بعزة الإسلام وغلبته ، وظهور انحطاط جميع المخالفين له عن أهله ; ولهذا مال بعض المؤلفين إلى تحريم نكاح الكتابيات المنصوص على حله في آخر سور القرآن نزولا ، فمنهم من تأول النص بأن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5أوتوا الكتاب من قبلكم عملوا به قبل الإسلام ، أو دانوا به قبل التحريف ، وهو تأويل ظاهر الفساد ، لا يصح لغة ، فإن معنى أوتوه من قبلنا : أعطوه ; أي أنزله الله عليهم ، والمفسرون متفقون على هذا المعنى في كل مكان ورد فيه هذا اللفظ ، وفي معناه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=156أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ( 6 : 156 ) ولولا أن هذا هو المعنى لما كان للآية فائدة .
ومنهم من التمس نقلا عن بعض المتقدمين ليجعله حجة على القرآن ، فوجدوا في بعض الكتب أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر منع التزوج بالكتابية ، متأولا لآية البقرة ، وأنه قال : لا أعلم شركا أعظم
[ ص: 161 ] من قولها أن ربها
عيسى ، وهو معارض بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران ، قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن نساء أهل الكتاب ، فتلا علي هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وآية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات ( 2 : 221 ) انتهى من الدر المنثور . وظاهر معنى العبارة أن الله أحل المحصنات من
أهل الكتاب ، وحرم المشركات من العرب ، والقول الأول رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، مع التصريح بأنه تأول آية البقرة ، فهو إذا صح اجتهاد منه ، ولم يقل أحد من الأصوليين أن اجتهاد الصحابي يعمل به في مسألة فيها نص ، بل منعه الجمهور مطلقا ، ومن قال به اشترط عدم النص ، وألا يكون له مخالف من الصحابة ، أي لئلا يكون ترجيحا بغير مرجح ، وهذا القول مع وجود النص مخالف لما كان عليه سائر الصحابة ، ومنهم والده
عمر أمير المؤمنين ، فقد روى عنه
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، أنه قال : " المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة " .
وتمسك بعضهم بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( 60 : 10 ) وهو جهل عظيم ، فإن هذا نزل في النساء المشركات اللواتي أسلم أزواجهن وبقين على شركهن .
وأقول : إن الجاهلين بأخلاق البشر يظنون أن الغلظة في معاملة المخالف في الدين هي التي يظهر بها الدين ، وتعلو كلمته ، وتنتشر دعوته ، والصواب : أن سوء المعاملة هو أعظم المنفرات
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ( 3 : 159 ) وما انتشر الإسلام في العصر الأول بتلك السرعة التي لم يسبق لها نظير في دين من الأديان إلا بحسن معاملة أهله لمن يعاشرونهم ، ويعيشون معهم ، ولولا ترك الخلف لسنة السلف في ذلك لما بقي في البلاد الإسلامية أحد لم يدخل الإسلام باختياره ، بل لعم الإسلام العالم كله .
نقول هذا تمهيدا لبيان حكمة مؤاكلة أهل الكتاب بلا تحرج من تذكيتهم ، وحل نسائهم ، وهي أن من غرض الشارع بذلك تألفهم ليعرفوا حقيقة الإسلام الذي هو أصل دينهم ، فقد أكمله الله - تعالى - بحسب سنته في الترقي البشري والتدريجي في كل شيء إلى أن ينتهي إلى كماله ، وهذا من مناسبات جعل هذه الآية بعد الآية المصرحة بإكمال الدين . قال الأستاذ الإمام في بيان حقيقة الإسلام من ( رسالة التوحيد ) :
" التفت إلى أهل العناد ، فقال لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( 2 : 111 ) وعنف المنازعين إلى الشقاق على ما زعزعوا من أصول اليقين ، ونص على أن التفرق بغي وخروج عن سبيل الحق المبين ، ولم يقف في ذلك عند حد الموعظة بالكلام والنصيحة بالبيان ، بل شرع شريعة الوفاق وقررها في العمل ، فأباح للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب وسوغ
[ ص: 162 ] مؤاكلتهم ، وأوصى أن تكون مجادلتهم بالتي هي أحسن ، ومن المعلوم أن المحاسنة هي رسول المحبة وعقد الألفة ، والمصاهرة إنما تكون بعد التحاب بين أهل الزوجين ، والارتباط بينهما بروابط الائتلاف ، وأقل ما فيها محبة الرجل لزوجته ، وهي على غير دينه ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( 30 : 21 ) انتهى المراد منه .
وإذا كانت الحكمة فيما شرعه الله - تعالى - من مؤاكلة أهل الكتاب والتزوج منهم ، هي إزالة الجفوة التي تحجبهم عن محاسن الإسلام ; بإظهار محاسنه لهم بالمعاملة كما تقدم - فينبغي لكل مسلم يريد الزواج منهم أن يكون مظهرا لهذه الحكمة وسالكا سبيلها ، وذلك بأن يكون قدوة صالحة لامرأته ولأهلها في الصلاح والتقوى ومكارم الأخلاق ، فإن لم ير نفسه أهلا لذلك فلا يقدم عليه ، وإننا نرى بعض المسلمين من
المصريين والترك يتزوجون من نساء
الإفرنج ، ولكنهم يستدبرون بذلك هذه الحكمة ، فيرى أحدهم نفسه دون امرأته ويجعلها قدوة له ، ولا يرى نفسه أهلا لأن يكون قدوة لها ، ومنهم من يسمح لها بتنصير أولاده ، ومثل هؤلاء ليسوا من المسلمين إلا في الجنسية السياسية ، ففتنتهم بالكفر أكبر من فتنتهم بالنساء ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
وَخُلَاصَةُ مَا تَقَدَّمَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11007نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ جَائِزٌ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ ، وَنِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ مُحَرَّمٌ . وَكَوْنُ لَفْظِ الْمُشْرِكَاتِ عَامًّا لِجَمِيعِ الْوَثَنِيَّاتِ ، أَوْ خَاصًّا بِمُشْرِكَاتِ الْعَرَبِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ وَخِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ : " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُرَادًا بِحُكْمِهَا مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ " وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
قَتَادَةَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَلَكِنَّ هَذَا قَالَ : " مُشْرِكَاتُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ " وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنَ جَرِيرٍ مِنْ عَدِّهِ قَائِلًا بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمُشْرِكَاتِ الْعَرَبِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ سَائِرِ رِوَايَاتِ الْخِلَافِ : " وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ
قَتَادَةُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ [ ص: 159 ] مِنَ الْمُشْرِكَاتِ ، وَأَنَّ الْآيَةَ عَامٌّ ظَاهِرُهَا خَاصٌّ بَاطِنُهَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَأَنَّ نِسَاءَ
أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُ دَاخِلَاتٍ فِيهَا " إِلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فِي بَيَانِ حِلِّ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ .
هَذَا مَا يَظْهَرُ بِالْبَحْثِ فِي الدَّلِيلِ ، وَلَكِنَّنَا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى قَوْلٍ صَرِيحٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ
nindex.php?page=treesubj&link=11005التَّزَوُّجِ بِمَا عَدَا الْكِتَابِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِحِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ صَاحِبُ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ الَّذِي تَفَقَّهَ بِهِ حَتَّى صَارَ مُجْتَهِدًا ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ تَفَرُّدَهُ لَا يُعَدُّ وَجْهًا فِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَالشَّافِعِيَّةُ لَا يُبِيحُونَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ فَضْلًا عَنِ الْوَثَنِيَّةِ الصِّينِيَّةِ .
وَلَا يَأْتِي فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ : إِنَّ النَّهْيَ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ ، فَإِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ النِّكَاحَ ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِلْحِلِّ ، فَلَمَّا انْفَصَلَ عَنْهُ مَا وُضِعَ لَهُ بِالنَّهْيِ الْمُقْتَضِي لِلْحُرْمَةِ ، كَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ وَضْعَهُ لِلْمِلْكِ لَا لِلْحِلِّ بِدَلِيلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ ; فَلِذَلِكَ كَانَ النَّهْيُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ غَيْرَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ ، فَلَا يُقَالُ عِنْدَهُمْ : إِنَّ نِكَاحَ الصِّينِيَّةِ يَقَعُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا .
وَأَمَّا الْبَحْثُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ جِهَةِ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ ، فَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - ذَلِكَ فِي آيَةِ النَّهْيِ عَنِ التَّنَاكُحِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ( 2 : 221 ) وَقَدْ وَضَّحْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَبَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُشْرِكَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ ، فَيُرَاجَعْ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ التَّفْسِيرِ ( مِنْ ص 280 - 284 ط الْهَيْئَةِ ) وَمِنْهُ أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ شُرِعَتْ مُوَادَّتُهُمْ ; لِأَنَّهُمْ بِمُعَاشَرَتِنَا وَمَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ مِنَّا بِالتَّخَلُّقِ وَالْعَمَلِ ، يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّ دِينَنَا هُوَ عَيْنُ دِينِهِمْ مَعَ مَزِيدِ بَيَانٍ وَإِصْلَاحٍ يَقْتَضِيهِ تَرَقِّي الْبَشَرِ ، وَإِزَالَةِ بِدَعٍ وَأَوْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَابِ الدِّينِ ، وَمَا هِيَ مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ . وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَلَا صِلَةَ بَيْنَ دِينِنَا وَدِينِهِمْ قَطُّ ; وَلِذَلِكَ دَخَلَ
أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الْإِسْلَامِ مُخْتَارِينَ بَعْدَمَا انْتَشَرَ بَيْنَهُمْ ، وَعَرَفُوا حَقِيقَتَهُ ، وَلَوْ قُبِلَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا قُبِلَتْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَافَّةً ، وَلَمَا قَامَتْ لِهَذَا الدِّينِ قَائِمَةٌ ، وَمِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْبِ مِنَ الْإِسْلَامِ أَوِ الدَّعْوَةِ إِلَى النَّارِ : أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ لَمْ يَكُونُوا يُعَذِّبُونَ مَنْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ .
ثُمَّ إِنَّ لِلْإِسْلَامِ سِيَاسَةً خَاصَّةً فِي الْعَرَبِ وَبِلَادِهِمْ ، وَهِيَ : أَنْ تَكُونَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ حَرَمَ الْإِسْلَامِ الْمَحْمِيَّ ، وَقَلْبَهُ الَّذِي تَتَدَفَّقُ مِنْهُ مَادَّةُ الْحَيَاةِ إِلَى جَمِيعِ الْأَطْرَافِ ، وَمَوْئِلَهُ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَأَلُّبِ الْأَعْدَاءِ عَلَيْهِ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْ مِنْ مُشْرِكِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْجِزْيَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا مُشْرِكٌ ، بَلْ أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَلَّا يَبْقَى فِيهَا دِينَانِ ، كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْفَتْوَى الرَّابِعَةِ الْمَنْشُورَةِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي ( ص 97 ) مِنَ الْمُجَلَّدِ ( الثَّانِي عَشَرَ ) وَتَدُلُّ
[ ص: 160 ] عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي كَوْنِ الْإِسْلَامِ يَأْرِزُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَى
الْحِجَازِ ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ
قَتَادَةَ " الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ " فِي الْآيَةِ .
إِذَا كَانَ الِازْدِوَاجُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ يُنَافِي هَذِهِ السِّيَاسَةَ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فِي انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِينَ بِالصِّينِيَّاتِ مَدْعَاةً لِدُخُولِهِنَّ فِي الْإِسْلَامِ ، كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي بِلَادِ
الصِّينِ ، فَلَا يَكُونُ تَعْلِيلُ الْآيَةِ لِلْحُرْمَةِ صَادِقًا عَلَيْهِنَّ ، وَكَيْفَ يُعْطَى الضِّدُّ حُكْمَ الضِّدِّ ؟ !
وَقَدْ حَذَّرْنَا فِي التَّفْسِيرِ مِنَ التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِيَّةِ إِذَا خُشِيَ أَنْ تَجْذِبَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إِلَى دِينِهَا ; لِعِلْمِهَا وَجَمَالِهَا ، وَجَهْلِهِ وَضَعْفِ أَخْلَاقِهِ ، كَمَا يَحْصُلُ كَثِيرًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي تَزَوُّجِ بَعْضِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِبَعْضِ الْأُورُبِّيَّاتِ ، أَوْ غَيْرِهِنَّ مِنَ الْكِتَابِيَّاتِ ، فَيُفْتَنُونَ بِهِنَّ ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ وَاجِبٌ فِي الْإِسْلَامِ . اهـ .
مُلَخَّصُ هَذِهِ الْفَتْوَى : أَنَّ الْمُشْرِكَاتِ اللَّاتِي حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ هُنَّ مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي رَجَّحَهُ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، وَأَنَّ
الْمَجُوسَ وَالصَّابِئِينَ وَوَثَنِيِّي
الْهِنْدِ وَالصِّينِ ، وَأَمْثَالِهِمْ كَالْيَابَانِيِّينَ - أَهْلُ كُتُبٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى التَّوْحِيدِ إِلَى الْآنِ ، وَالظَّاهِرُ مِنَ التَّارِيخِ وَمِنْ بَيَانِ الْقُرْآنِ أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ بُعِثَ فِيهَا رُسُلٌ ، وَأَنَّ كُتُبَهُمْ سَمَاوِيَّةٌ طَرَأَ عَلَيْهَا التَّحْرِيفُ كَمَا طَرَأَ عَلَى كُتُبِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّتِي هِيَ أَحْدَثُ عَهْدًا فِي التَّارِيخِ ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْإِبَاحَةُ ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ النَّصُّ بِمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - بَعْدَ بَيَانِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ( 4 : 24 ) يُفِيدُ حِلَّ نِكَاحِ نِسَائِهِمْ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَهُ إِلَّا بِنَصٍّ نَاسِخٍ لِلْآيَةِ أَوْ مُخَصِّصٍ لِعُمُومِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا هُنَا أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِمَفْهُومِ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَخَصَّصُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَهَذَا مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ ، مَنَعَ الْجُمْهُورُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ فِي اللَّقَبِ ، وَلَكِنْ جَرَى الْعَمَلُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلشُّعُورِ الَّذِي غَلَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِمْ بِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَغَلَبَتِهِ ، وَظُهُورِ انْحِطَاطِ جَمِيعِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ عَنْ أَهْلِهِ ; وَلِهَذَا مَالَ بَعْضُ الْمُؤَلِّفِينَ إِلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ الْمَنْصُوصِ عَلَى حِلِّهِ فِي آخِرِ سُوَرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ النَّصَّ بِأَنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ عَمِلُوا بِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، أَوْ دَانُوا بِهِ قَبْلَ التَّحْرِيفِ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ ، لَا يَصِحُّ لُغَةً ، فَإِنَّ مَعْنَى أُوتُوهُ مِنْ قَبِلْنَا : أُعْطُوهُ ; أَيْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَالْمُفَسِّرُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ مَكَانٍ وَرَدَ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=156أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا ( 6 : 156 ) وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى لَمَا كَانَ لِلْآيَةِ فَائِدَةٌ .
وَمِنْهُمْ مَنِ الْتَمَسَ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِيَجْعَلَهُ حُجَّةً عَلَى الْقُرْآنِ ، فَوَجَدُوا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ مَنَعَ التَّزَوُّجَ بِالْكِتَابِيَّةِ ، مُتَأَوِّلًا لِآيَةِ الْبَقَرَةِ ، وَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمُ
[ ص: 161 ] مِنْ قَوْلِهَا أَنَّ رَبَّهَا
عِيسَى ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17188مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ عَنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَتَلَا عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ( 2 : 221 ) انْتَهَى مِنَ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ . وَظَاهِرُ مَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَحَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ مِنَ الْعَرَبِ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ تَأَوَّلَ آيَةَ الْبَقَرَةِ ، فَهُوَ إِذَا صَحَّ اجْتِهَادٌ مِنْهُ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ اجْتِهَادَ الصَّحَابِيِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا نَصٌّ ، بَلْ مَنَعَهُ الْجُمْهُورُ مُطْلَقًا ، وَمَنْ قَالَ بِهِ اشْتَرَطَ عَدَمَ النَّصِّ ، وَأَلَّا يَكُونَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، أَيْ لِئَلَّا يَكُونَ تَرْجِيحًا بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ ، وَمِنْهُمْ وَالِدُهُ
عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّةَ ، وَلَا يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ " .
وَتَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ( 60 : 10 ) وَهُوَ جَهْلٌ عَظِيمٌ ، فَإِنَّ هَذَا نَزَلَ فِي النِّسَاءِ الْمُشْرِكَاتِ اللَّوَاتِي أَسْلَمَ أَزْوَاجُهُنَّ وَبَقِينَ عَلَى شِرْكِهِنَّ .
وَأَقُولُ : إِنَّ الْجَاهِلِينَ بِأَخْلَاقِ الْبَشَرِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْغِلْظَةَ فِي مُعَامَلَةِ الْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ هِيَ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا الدِّينُ ، وَتَعْلُو كَلِمَتُهُ ، وَتَنْتَشِرُ دَعْوَتُهُ ، وَالصَّوَابُ : أَنَّ سُوءَ الْمُعَامَلَةِ هُوَ أَعْظَمُ الْمُنَفِّرَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ( 3 : 159 ) وَمَا انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بِتِلْكَ السُّرْعَةِ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا نَظِيرٌ فِي دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ إِلَّا بِحُسْنِ مُعَامَلَةِ أَهْلِهِ لِمَنْ يُعَاشِرُونَهُمْ ، وَيَعِيشُونَ مَعَهُمْ ، وَلَوْلَا تَرْكُ الْخَلَفِ لِسُنَّةِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ لَمَا بَقِيَ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَحَدٌ لَمْ يَدْخُلِ الْإِسْلَامَ بِاخْتِيَارِهِ ، بَلْ لَعَمَّ الْإِسْلَامُ الْعَالَمَ كُلَّهُ .
نَقُولُ هَذَا تَمْهِيدًا لِبَيَانِ حِكْمَةِ مُؤَاكَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِلَا تَحَرُّجٍ مِنْ تَذْكِيَتِهِمْ ، وَحِلِّ نِسَائِهِمْ ، وَهِيَ أَنَّ مِنْ غَرَضِ الشَّارِعِ بِذَلِكَ تَأَلُّفِهِمْ لِيَعْرِفُوا حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ دِينِهِمْ ، فَقَدْ أَكْمَلَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِحَسْبِ سُنَّتِهِ فِي التَّرَقِّي الْبَشَرِيِّ وَالتَّدْرِيجِيِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى كَمَالِهِ ، وَهَذَا مِنْ مُنَاسَبَاتِ جَعْلِ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ الْآيَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِإِكْمَالِ الدِّينِ . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ ( رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ ) :
" الْتَفَتَ إِلَى أَهْلِ الْعِنَادِ ، فَقَالَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 2 : 111 ) وَعَنَّفَ الْمُنَازِعِينَ إِلَى الشِّقَاقِ عَلَى مَا زَعْزَعُوا مِنْ أُصُولِ الْيَقِينِ ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بَغْيٌ وَخُرُوجٌ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ الْمُبِينِ ، وَلَمْ يَقِفْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ حَدِّ الْمَوْعِظَةِ بِالْكَلَامِ وَالنَّصِيحَةِ بِالْبَيَانِ ، بَلْ شَرَعَ شَرِيعَةَ الْوِفَاقِ وَقَرَّرَهَا فِي الْعَمَلِ ، فَأَبَاحَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَوَّغَ
[ ص: 162 ] مُؤَاكَلَتَهُمْ ، وَأَوْصَى أَنْ تَكُونَ مُجَادَلَتُهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُحَاسَنَةَ هِيَ رَسُولُ الْمَحَبَّةِ وَعَقْدُ الْأُلْفَةِ ، وَالْمُصَاهَرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ التَّحَابِّ بَيْنَ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ ، وَالِارْتِبَاطِ بَيْنَهُمَا بِرَوَابِطِ الِائْتِلَافِ ، وَأَقَلُّ مَا فِيهَا مَحَبَّةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ ، وَهِيَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ( 30 : 21 ) انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ .
وَإِذَا كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِيمَا شَرَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ مُؤَاكَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّزَوُّجِ مِنْهُمْ ، هِيَ إِزَالَةُ الْجَفْوَةِ الَّتِي تَحْجُبُهُمْ عَنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ ; بِإِظْهَارِ مَحَاسِنِهِ لَهُمْ بِالْمُعَامَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ - فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مُظْهِرًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَسَالِكًا سَبِيلَهَا ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةً لِامْرَأَتِهِ وَلِأَهْلِهَا فِي الصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، فَإِنْ لَمْ يَرَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّنَا نَرَى بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ
الْمِصْرِيِّينَ وَالتُّرْكِ يَتَزَوَّجُونَ مِنْ نِسَاءِ
الْإِفْرِنْجِ ، وَلَكِنَّهُمْ يَسْتَدْبِرُونَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ ، فَيَرَى أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ دُونَ امْرَأَتِهِ وَيَجْعَلُهَا قُدْوَةً لَهُ ، وَلَا يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِأَنْ يَكُونَ قُدْوَةً لَهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَحُ لَهَا بِتَنْصِيرِ أَوْلَادِهِ ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي الْجِنْسِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ ، فَفِتْنَتُهُمْ بِالْكُفْرِ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَتِهِمْ بِالنِّسَاءِ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .