الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ توقف معرفة أصول الفقه على الفقه ]

                                                      واعلم أن معرفة أصول الفقه تتوقف على معرفة الفقه ، إذ يستحيل العلم بكونها أصول فقه ما لم يتصور الفقه ، لأن المضاف إلى معرفة إضافة حقيقية لا بد وأن يتعرف بها ، ولا يمكن التعريف إلا على تقدير سبق معرفة المضاف إليه ، ولأن العلم بالمركب يتوقف على العلم بمفرداته ضرورة وأما الموضوع : فشيء يبحث عن أوصافه وأحواله المعتبرة في ذلك العلم . وهو معنى قول المنطقيين : موضوع كل علم ما يبحث فيه عن أعراضه الذاتية . أي ما يلحق الشيء لذاته ، كالتعجب اللاحق للإنسان لذاته ، لا باعتبار أمر آخر . أو لجزئه ، كالمشي اللاحق له بواسطة كونه حيوانا .

                                                      أو لأمر يساويه ، كالضحك اللاحق له بواسطة التعجب ، فهذه الثلاثة هي أعراضه الذاتية .

                                                      وقد يكون لأعم داخل فيه . كالحركة للإنسان لكنه مهجور سمي بذلك لرجوع موضوعات مسائل العلم إليه . فموضوع الفقه : أفعال [ ص: 48 ] المكلفين ، وموضوع أصول الفقه : الأدلة السمعية . وموضوع الهندسة : المقدار ، وموضوع الطب : بدن الإنسان . فإن هذه الأشياء هي مجال البحث في هذه العلوم يبحث فيها عن أعراض هذه الأشياء اللاحقة بها ، كما أنهم شبهوا ما يبحث في كل علم عن أعراضه وأحواله بمادة حسية يضعها إنسان بين يديه ليوقع فيها أثرا ما ، كالخشب الذي يؤثر فيه النجار حتى يصير سريرا ، أو بابا . وكالفضة التي يؤثر فيها الصائغ حتى يصير خاتما أو سوارا ونحوه .

                                                      وأما مبادئ كل علم فهي حدود موضوعه وأجزائه وأعراضه مع المقدمات التي تؤلف عنها قياساته . وذلك كحد البدن وأعضائه ، وما يعرض لها من صحة وسقم بالنسبة إلى علم الطب . وحد الفعل وأصنافه وأشخاصه وما يعرض له من حل وحرمة ، ونحو ذلك بالنسبة إلى علم الفقه ، وحد اللفظ ، وما يعرض من صواب وخطأ بالنسبة إلى النحو .

                                                      وهو جمع مبدأ ، ومبدأ الشيء هو محل بدايته . وسميت حدود موضوع العلم وأجزاؤه ومقدماته التي هي مادة قياساته مبادئ ، لأنه عنها ومنها ينشأ ، ويبدو .

                                                      وأما مسائل كل علم فهي مطالبه الجزئية التي يطلب إثباتها فيه كمسائل العبادات ، والمعاملات ونحوها للفقه ، ومسائل الأمر والنهي ، والعام ، والخاص ، والإجماع ، والقياس ، وغيرها لأصول الفقه .

                                                      والموضوع : قد يكون واحدا ، كالعدد للحساب ، وقد يكون كثيرا ، وشرطه أن يكون بينهما تناسب ، أي : مشاركة . إما في ذاتي ، كما إذا جعل الاسم ، والفعل ، والحرف ، موضوعات النحو ، لاشتراكها في الجنس ، وهو الكلمة . وإما في عرضي كما إذا جعل بدن الإنسان وأجزاؤه والأدوية [ ص: 49 ] والأغذية موضوعات الطب ، لاشتراكها في غاية ، وهي الصحة .

                                                      وموضوع أصول الفقه قد اجتمع فيه الأمران ، فإنه إما واحد ، وهو الدليل السمعي من جهة إنه موصل للحكم الشرعي ، وإما كثير ، وهو أقسام الأدلة السمعية من هذه الجهة ، لاشتراكها إما في جنسها ، وهو الدليل ، أو في غايتها ، وهو العلم بالأحكام الشرعية .

                                                      واختلفوا هل يجوز أن يكون للعلم أكثر من موضوع واحد أم لا ؟ فقيل ، يجوز مطلقا غير أنه لا بد أن يشركه في أمر ذاتي ، أو عرضي ، كالطب يبحث فيه عن أحوال بدن الإنسان ، وعن الأدوية ونحوها . وقيل : يمتنع مطلقا ، لئلا يؤدي إلى الانتشار .

                                                      واختار صاحب التوضيح " من الحنفية تفصيلا : وهو إن كان المبحوث عنه في ذلك العلم إضافيا جاز ، كما أنه يبحث في الأصول عن إثبات الأدلة للحكم ، والمنطق يبحث فيه عن إيصال تصور ، أو تصديق إلى تصور أو تصديق ، وقد يكون بعض العوارض التي لها مدخل في المبحوث عنه ناشئة عن أحد المتضايفين ، وبعضها عن الآخر ، فموضوع هذا العلم كلا المتضايفين . وإن كان غير إضافي لا يجوز ، لأن اختلاف الموضوع يوجب اختلاف العلم ، ثم إن كان إضافيا ، فقد يكون المضاف والمضاف إليه موضوع ذلك العلم ، كأصول الفقه ، وقد يكون أحدهما ، كعلم المنطق ، فإن موضوعه القول الشارح ، والدليل من حيث إنه يوصل إلى التصور والتصديق

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية