الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2767 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم القيامة دفع الله تعالى إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار ) وفي رواية : ( لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا ) وفي رواية ( يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى ) . ( الفكاك ) بفتح الفاء وكسرها الفتح أفصح وأشهر ، وهو : الخلاص والفداء . ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبي هريرة لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار فالمؤمن إذا دخل [ ص: 238 ] الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره . معنى ( فكاكك من النار ) أنك كنت معرضا لدخول النار ، وهذا فكاكك ; لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها ، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين .

                                                                                                                وأما رواية : ( يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب ) فمعناه : أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ، ويسقطها عنهم ، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم ، فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين ، ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى وقوله : ( ويضعها ) مجاز والمراد : يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم ، وأبقى على الكفار سيئاتهم ، صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي ، وهو إثمهم ، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها ، بأن سنوها فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ، ويوضع على الكفار مثلها ، لكونهم سنوها ، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فاستحلفه عمر بن عبد العزيز أن أباه حدثه ) إنما استحلفه لزيادة الاستيثاق والطمأنينة ، ولما حصل له من السرور بهذه البشارة العظيمة للمسلمين أجمعين ، ولأنه إن كان عنده فيه شك وخوف غلط أو نسيان أو اشتباه أو نحو ذلك أمسك عن اليمين ، فإذا حلف تحقق انتفاء هذه الأمور ، وعرف صحة الحديث ، وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز والشافعي - رحمهما الله - أنهما قالا : هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين ، وهو كما قالا لما فيه من التصريح بفداء كل مسلم ، وتعميم الفداء ولله الحمد .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه ) إلى آخره . [ ص: 239 ] أما ( كنفه ) فبنون مفتوحة ، وهو : ستره وعفوه ، والمراد بالدنو هنا : دنو كرامة وإحسان ، لا دنو مسافة ،والله تعالى منزه عن المسافة وقربها .




                                                                                                                الخدمات العلمية