الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ الذي له مسمى شرعي هل هو مجمل ؟ ]

                                                      ما له مسمى شرعي كالصوم والصلاة ليس بمجمل عند الأكثرين ، بل اللفظ محمول على الشرعي ، لأنه عليه السلام بعث لبيان الشريعة لا اللغة ، ولأن الشرع طارئ على اللغة وناسخ لها ، فالحمل الناسخ المتأخر أولى ، ولهذا ضعفوا قول من حمل الوضوء من أكل لحم الجزور على النظافة بغسل اليد . [ ص: 84 ] وثانيها : أنه مجمل ، ونقله الأستاذ أبو منصور عن أكثر أصحابنا ، وبه قال القاضي . وقال الغزالي : ولعله فرعه على مذهب من يثبت الأسامي الشرعية ، وإلا فهو منكر لها .

                                                      وثالثها : وهو المختار عند الغزالي ، التفصيل بين أن يرد مثبتا فيحمل على الشرعي ، كقوله : ( إني إذن صائم ) فيستفاد منه صحة نية النهار ، وإن ورد منفيا فمجمل لتردده بينهما كالنهي عن صيام يوم النحر ، وأيام التشريق ، فلا يستفاد منه صحة صومهما من جهة أن النهي عن الممتنع ممتنع . وهذا منه بناء على أصله أن النهي لا يقتضي الفساد ، ثم هو مع ذلك لا يقول بأنه يقتضي الصحة .

                                                      ورابعها : لا إجمال أيضا ، والمراد في الإثبات الشرعي ، وفي النهي اللغوي ، واختاره الآمدي لتعذر حمله على الشرعي ، لأن الشرعي يستلزم الصحة ، والنهي غير صحيح ، والصحيح الأول ، ولهذا اتفقوا على حمل قوله : { دعي الصلاة أيام أقرائك } على المعنى الشرعي ، مع أنه في معنى النهي .

                                                      تفريع : [ إذا تعذر الحمل على الشرعي ]

                                                      إن قلنا بالأصح أنه يحمل على الشرعي ، فلو تعذر ولم يمكن الرد إليه إلا بضرب من التجوز ، فهل يحمل على اللغوي . أو يكون مجملا ، أو يرد إلى الشرعي ؟ فيه ثلاثة مذاهب ، واختار الغزالي الإجمال . قال : ولم يثبت [ ص: 85 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالحكم العقلي ، ولا بالاسم اللغوي ، ولا بالحكم الأصلي ، فترجيح الشرعي تحكم . وتمثل المسألة ب " { الطواف بالبيت صلاة } " وب " { الاثنين فما فوقهما جماعة } " قال : فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه يسمى جماعة ، وانعقاد الجماعة وحصول فضيلتها ، والأكثرون منهم ابن الحاجب أنه يحمل على الشرعي ، لأن الشارع بعث لبيان الشرعيات ، وهو الأغلب .

                                                      وقال الشيخ عز الدين في كتاب " المجاز " : أما قوله صلى الله عليه وسلم . { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها } فمحمول على صيغة إيجاب النكاح اللغوية دون الشرعية ، وذلك حقيقة بالنسبة إلى اللغة دون الشرع ، كالصلاة المحمولة على الدعاء في قوله : { وإن كان صائما فليصل } أي فليدع ، وكذلك نهيه عن بيع الحر ، فإنه محمول على اللغوي دون الشرعي ، وأما نهي الحائض عن الصلاة فليست الصلاة فيه محمولة على العرف الشرعي لتعذره ، ولا على اللغوي الذي هو الدعاء ، لأنه خلاف الإجماع ، وإنما هو مجاز تشبيه ، لأن صورة صلاتها شبيهة بصورة الصلاة الشرعية فهو مجاز عن حقيقة شرعية . والمختار : أن صلاتها مجاز عن مجاز شرعي بالنسبة إلى اللغة ، لأن الأظهر أن تسمية الصلاة الشرعية بهذا اللفظ من مجاز تسمية الكل باسم جزئه ، لأن الدعاء جزء من أجزاء الصلاة ، فتجوز به عنها ، كما تجوز عنها بالقيام والركوع والسجود . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية