الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ البيان الواجب على الرسول صلى الله عليه وسلم ]

                                                      يجب على الرسول بيان ما يتعلق بأحكام الشرع : واجبها . ومندوبها ، وحرامها ، ومكروهها ، ومباحها ، وقال بعض المتكلمين : ما كان واجبا فيجب عليه بيانه ، أو مندوبا فمندوب ، أو مباحا فمباح . قال ابن القشيري : وهذا خرق للإجماع ، لإجماع الأمة على وجوب تبليغ جميع الشرعيات . وقال غيره : يلزمهم أن يكون بيان المحرم محرما ، وهو إلزام عجيب . وقال الماوردي ، والروياني : ما يلزم الرسول بيانه من الأحكام التي ليست في كتاب الله كالقضاء بالشفعة ، وبالدية على العاقلة ، وإعطاء السلب للقاتل ، وأن لا يرث القاتل ، ونحوه ، يلزم بيانه في حقوق العباد لأنه لا طريق لهم إلى العلم بها إلا منه ، وفي لزوم بيانها في حق الله وجهان مبنيان على [ ص: 97 ] الخلاف في أنه هل هو بالاجتهاد ؟ فإن قلنا : له ذلك لزمه ، وإلا فلا .

                                                      وقال الشاشي في كتابه : الذي يجب عليه هو البيان ، لقوله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وروي أن { عمر سأله عن الكلالة : فقال : يكفيك آية الصيف } ، فدل هذا على أن الواجب من البيان ما لم يتوصل إلى معرفته إلا ببيانه . فأما ما جعل في الكتاب بيانه ، وكان يتوصل إليه بالتدبر ، فليس عليه بيانه . قال : ومعقول أنه عليه السلام لا يجب عليه إبانة كل الأحكام أصلا ، وإنما عليه إبانة الأصول التي للدلالة على الفروع .

                                                      وقال الماوردي والروياني : من المجمل ما وكل العلماء إلى اجتهادهم في بيانه من غير سمع يفتقر إليه ، كقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية } . فلم يرد سمع ببيان أقل الجزية حتى اجتهد العلماء في أقلها . وكقوله : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } فأجهل ذكر العدد الذي تنعقد بهم الجمعة ، حتى اجتهد العلماء ، فهذا ونحوه ساقط من الرسول عليه السلام ، لأنه مأخوذ من أصول الأدلة المستقرة . وقد { سأل عمر عن الكلالة فقال : يكفيك آية الصيف } فوكله إلى الاجتهاد ، ولم يصرح بالبيان . واختلف أصحابنا في هذا النوع من البيان الصادر عن الاجتهاد ، هل يؤخذ قياسا أو تنبيها ؟ على وجهين : أحدهما : يؤخذ تنبيها من لفظ المجمل ، وشواهد أحواله ، { لأنه عليه السلام قال لعمر : يكفيك آية الصيف } فرده إليها ، ليستدل بما تضمنتها من تنبيه وشواهد حال .

                                                      والثاني : يجوز أن يؤخذ قياسا على ما استقر بناؤه من نص أو إجماع ، { لأن عمر سأل عن قبلة الصائم . فقال : أرأيت لو تمضمضت } ، فجعل القبلة من غير إرادة كالمضمضة من غير ازدراد . انتهى .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية