الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب ) [ ص: 222 ] لأن الوجوب في الكل باعتبار التجارة وإن افترقت جهة الإعداد ( ويضم الذهب إلى الفضة ) للمجانسة من حيث الثمنية ، ومن هذا الوجه صار سببا ، ثم يضم بالقيمة عند أبي حنيفة وعندهما بالأجزاء وهو رواية عنه ، حتى إن من [ ص: 223 ] كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب تبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما ، هما يقولان المعتبر فيهما القدر دون القيمة حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها ، هو يقول : إن الضم للمجانسة وهي تتحقق باعتبار القيمة دون الصورة فيضم بها .

التالي السابق


( قوله وتضم إلخ ) حاصله أن عروض التجارة يضم بعضها إلى بعض بالقيمة وإن اختلفت أجناسها ، وكذا تضم هي إلى النقدين بالإجماع ، والسوائم المختلفة الجنس لا تضم بالإجماع كالإبل والغنم ، والنقدان يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب عندنا خلافا للشافعي رحمه الله .

ثم اختلف علماؤنا في كيفية الضم فيهما على ما نذكر ثم إنما يضم المستفاد قبل الوجوب ، فلو أخر الأداء فاستفاد بعد الحول لا يضمه عند الأداء ويضم الدين إلى العين ، [ ص: 222 ] فلو كان عنده مائة وله دين مائة وجب عليه الزكاة . وقوله : كما في السوائم إفادة للقياس المذكور بجامع اختلاف الجنس حقيقة وهو ظاهر ، وحكما بدليل عدم جريان ربا الفضل بينهما مع كون الربا يثبت بالشبهة فاستفدنا عدم اعتبار شبهة اتحاد الجنس بينهما ، والاتحاد من حيث الثمنية لا يوجب اتحاد الجنس كالركوب في الدواب ، بخلاف ضم العروض إليهما لأنه ضم ذهب وفضة لأن وجوب الزكاة في العروض باعتبار القيمة والقيمة هما فالضم لم يقع إلا في النقود . قلنا : إنما كانا نصاب الزكاة بسبب الثمنية لأنه المفيد لتحصيل الأغراض وسد الحاجات لا لخصوص اللون أو الجوهر ، وهذا لأن ثبوت الغنى وهو السبب في الحقيقة إنما هو بذلك لا بغيره وقد اتحدا فيه فكانا جنسا واحدا في حق الزكاة ، وإن لم يعتبر الاتحاد في حق غيره من الأحكام كالتفاضل في البيع فحقيقة السبب الثمن المقدر بكذا إذا كان بصورة كذا وبكذا إذا كان بصورة كذا ، بخلاف الركوب فإنه ليس المحقق للسببية في السوائم ، فإن الغنى لم يثبت باعتباره بل باعتبار ماليتها المشتملة على منافع شتى تستد بها الحاجات أعظمها منفعة الأكل التي بها يقوم ذات المنتفع ونفسه ، ثم فيه ما ذكره مشايخنا عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال : من السنة أن يضم الذهب إلى الفضة لإيجاب الزكاة ، وحكم مثل هذا الرفع

( قوله وعندهما بالإجزاء ) بأن يعتبر تكامل أجزاء النصاب من الربع والنصف وباقيها ، فإذا كان من الذهب عشرة يعتبر معه نصف نصاب الفضة وهو مائة ، فلو كان له مائة وخمسة مثاقيل تبلغ مائة لا زكاة عندهما لأن المائة نصف نصاب والخمسة ربع نصاب ، فالحاصل أجزاء ثلاثة أرباع نصاب وعنده تجب لأن الحاصل تمام نصاب الفضة معنى ، ثم قال في الكافي : ولا تعتبر القيمة عند تكامل الأجزاء كمائة وعشرة دنانير ; لأنه متى انتقص قيمة أحدهما تزداد قيمة الآخر فيمكن تكميل ما ينتقص قيمته بما زاد انتهى .

ولا يخفى أن مؤدى الضابط أن عند تكامل الأجزاء لا تعتبر القيمة أصلا لهما ولا لأحدهما حتى تجب خمسة في مائة وعشرة دنانير سواء كانت قيمة العشرة أقل من مائة خلافا لبعضهم أو أكثر كمائة وثمانين .

والتعليل المذكور لا يلاقي الضابط على هذا الوجه ، بل إنما يفيد وجوب اعتبار قيمة [ ص: 223 ] ما زاد عند انتقاص أحدهما بعينه دفعا لقول من قال في مائة وعشرة لا تساوي مائة لا زكاة فيها عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه يعتبر القيمة ، وعلى اعتبارها لا يتم النصاب على هذا التقدير فدفع لأنه ليس بلازم من مطلق اعتبار القيمة اعتبار قيمة أحدهما عينا ، فإن لم يتم باعتبار قيمة الذهب بالفضة فإنه يتم باعتبار تقويم الفضة بالذهب ، فإذا فرض أن العشرة تساوي ثمانين فالمائة من الفضة تساوي اثني عشر دينارا ونصفا فيتم بذلك مع العشرة دنانير اثنان وعشرون دينارا ونصف فتجب الزكاة .

وحاصل هذا أنه تعتبر القيمة من جهة كل من النقدين لا من جهة أحدهما عينا ، فكيف يكون تعليلا لعدم اعتبار القيمة مطلقا عند تكامل الأجزاء . وعلى هذا فلو زادت قيمة أحدهما ولم تنقص قيمة الآخر كمائة وعشرة تساوي مائة وثمانين ينبغي أن تجب سبعة على قوله وهو الظاهر من المذكور في دليله من أن الضم ليس إلا للمجانسة ، وإنما هي باعتبار المعنى وهو القيمة لا باعتبار الصورة فيضمان بالقيمة فإنه يقتضي تعين الضم بها مطلقا عند تكامل الأجزاء وعدمه ، ثم لم يتعرض المصنف للجواب عما استدلا به من مسألة المصوغ على أن المعتبر شرعا هو القدر فقط .

والجواب أن القيمة فيهما إنما تظهر إذا قوبل أحدهما بالآخر أو عند الضم لما قلنا : إنه بالمجانسة وهي باعتبار المعنى وهو القيمة ، وليس شيء من ذلك عند انفراد المصوغ حتى لو وجب تقويمه في حقوق العباد بأن استهلك قوم بخلاف جنسه وظهرت قيمة الصنعة والجودة بخلاف ما إذا بيع بجنسه لأن الجودة والصنعة ساقطتا الاعتبار في الربويات عند المقابلة بجنسها .




الخدمات العلمية