الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأما المنفصل ، ويقال له أيضا : مد البسط ; لأنه يبسط بين كلمتين ، ويقال : مد الفصل ; لأنه يفصل بين الكلمتين ، ويقال له : الاعتبار ؛ لاعتبار الكلمتين من كلمة ، ويقال : مد حرف لحرف ، أي : مد كلمة لكلمة ، يقال : المد الجائز من أجل الخلاف في مده وقصره ، وقد اختلفت العبارات في مقدار مده اختلافا لا يمكن ضبطه ولا يصح جمعه . فقل من ذكر مرتبة لقارئ إلا وذكر غيره لذلك القارئ ما فوقها أو ما دونها ، وها أنا أذكر ما جنحوا إليه ، وأثبت ما يمكن ضبطه من ذلك . فأما ابن مجاهد ، والطرسوسي ، وأبو الطاهر بن خلف ، وكثير من العراقيين كأبي طاهر بن سوار وأبي الحسن بن فارس ، وابن خيرون ، وغيرهم فلم يذكروا فيه من سوى القصر غير مرتبتين ، طولى ووسطى ، وذكر أبو القاسم بن الفحام الصقلي مراتب غير القصر ، وهي المتوسط ، وفوقه قليلا ، وفوقه ، ولم يذكر ما بين التوسط والقصر ، وكذا ذكر صاحب " الوجيز " أنها ثلاث مراتب ، إلا أنه أسقط العليا ، فذكر ما فوق القصر وفوقه ، وهو التوسط وفوقه ، وتبعه على ذلك ابن مهران ، والعراقي ، وابنه وغيرهم ، وكذا ذكر أبو الفتح بن شيطا ، ولكنه أسقط ما دون العليا ، فذكر القصر ، وفوقه التوسط والطولى ، فكل هؤلاء ذكر ثلاث مراتب سوى القصر ، واختلفوا في تعيينها ، وذكر أبو عمرو الداني في تيسيره ، ومكي في تبصرته ، وصاحب " الكافي " ، و " الهادي " و " الهداية " و " تلخيص العبارات " ، وأكثر المغاربة ، وسبط الخياط في مبهجه ، وأبو علي المالكي في روضته ، وبعض المشارقة - أنها أربعة ، وهي : ما فوق القصر ، وفوقه وهو التوسط ، وفوقه ، والإشباع ، وكذا ذكره أبو معشر الطبري ، إلا أنه لم يذكر القصر المحض كما فعل صاحبه الهذلي كما سيأتي ، وذكرها الحافظ أبو عمرو الداني في " جامع البيان " خمس مراتب سوى القصر ، فزاد مرتبة سادسة فوق الطولى التي ذكرها في " التيسير " . وكذا ذكر الحافظ أبو العلاء [ ص: 320 ] الهمداني في غايته وتبعهما في ذلك أبو القاسم الهذلي في كامله ، وزاد مرتبة سابعة ، وهي إفراط وقدرها ست ألفات ، وانفرد بذلك ، عن ورش وعزا ذلك إلى ابن نفيس ، وابن سفيان وابن غلبون ، والحداد - يعني إسماعيل بن عمرو - وقد وهم عليهم في ذلك ، ولم يذكر القصر فيه ألبتة عن أحد من القراء ، واتفق هو وأبو معشر الطبري على ذلك وظاهر عبارتهما أنه لا يجوز قصر المنفصل ألبتة ، وأنه عندهما كالمتصل في " التيسير " ، والله أعلم .

                                                          وزاد أبو الأهوازي مرتبة ثامنة دون القصر وهي البتر عن الحلواني والهاشمي ، كلاهما عن القواس ، عن ابن كثير في جميع ما كان من كلمتين ، قال : والبتر هو حذف الألف والواو والياء من سائرهن . قال : واستثنى الحلواني عن القواس الألف ومدها مدا وسطا في ثلاث كلمات لا غير ؛ قوله تعالى : ( يا آدم ) حيث كان ، و ( يا أخت هارون ) و ( يا أيها ) حيث كان ، وباقي الباب بالبتر .

                                                          ( قلت ) : استثناء الحلواني هذه الكلم ليس لكونها منفصلة ، وإنما كان الحلواني يتوهم أنها من المتصل من حيث أنها اتصلت رسما ، فمثل في جامعه المتصل بـ ( السماء ) ، و ( ماء ) ، و ( نداء ) ، و ( يا أخت ) ، و ( يا أيها ) ، و ( يا آدم ) قال الداني : وقد غلط في ذلك .

                                                          ( قلت ) : وليس البتر ما انفرد به الأهوازي فقط ، حكاه الحافظ أبو عمرو الداني من رواية القواس ، عن الخزاعي عن الهاشمي عنه ، وعن الحلواني ، ومن رواية قنبل ، عن ابن شنبوذ ، عنهم ، ثم قال الداني : وهكذا مكروه قبيح ، لا عمل عليه ، ولا يؤخذ به ؛ إذ هو لحن لا يجوز بوجه ولا تحل القراءة به . قال : ولعلهم أرادوا حذف الزيادة لحرف المد وإسقاطها ، فعبروا عن ذلك بحذف حرف المد وإسقاطه مجازا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية