الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1203 ) مسألة ; قال : ( ومن أدرك الإمام راكعا فركع دون الصف ، ثم مشى حتى دخل في الصف ، وهو لا يعلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة : { زادك الله حرصا ولا تعد } قيل له : لا تعد . وقد أجزأته صلاته ، فإن عاد بعد النهي لم تجزئه صلاته ، ونص أحمد ، رحمه الله ، على هذا في رواية أبي طالب ) وجملة ذلك ، أن من ركع دون الصف ، ثم دخل فيه ، لا يخلو من ثلاثة أحوال : إما أن يصلي ركعة كاملة ، فلا تصح صلاته ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لفرد خلف الصف } .

                                                                                                                                            والثاني ، أن يدب راكعا حتى يدخل في الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ، أو أن يأتي آخر فيقف معه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع فإن صلاته تصح ; لأنه أدرك مع الإمام في الصف ما يدرك به الركعة . وممن رخص في ركوع الرجل دون الصف زيد بن ثابت ، وفعله ابن مسعود ، وزيد بن وهب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعروة ، وسعيد بن جبير ، وابن جريج . وجوزه الزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، إذا كان قريبا من الصف .

                                                                                                                                            الحال الثالث ، إذا رفع رأسه من الركوع ، ثم دخل في الصف ، أو جاء آخر فوقف معه قبل إتمام الركعة ، فهذه الحال التي يحمل عليها قول الخرقي : " ونص أحمد " . فمتى كان جاهلا بتحريم ذلك ، صحت صلاته ، وإن علم ، لم تصح . وروى أبو داود ، عن أحمد ، أنه يصح ، ولم يفرق .

                                                                                                                                            وهذا مذهب مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ; لأن أبا بكرة فعل ذلك ، وفعله من ذكرنا من الصحابة ولنا ، ما روي أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال { : زادك الله حرصا ولا تعد } . رواه البخاري ، ورواه أبو داود ، ولفظه : أن أبا بكرة جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع ، فركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قال { : أيكم الذي ركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ؟ فقال أبو بكرة : أنا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : زادك الله حرصا ، ولا تعد } .

                                                                                                                                            فلم يأمره بإعادة الصلاة ، ونهاه عن العود ، والنهي يقتضي الفساد . فإن قيل : إنما نهاه عن التهاون والتخلف عن الصلاة . قلنا : إنما يعود النهي إلى المذكور ، والمذكور الركوع دون الصف ، ولم ينسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى التهاون ، وإنما نسبه إلى الحرص ، ودعا له بالزيادة فيه ، فكيف ينهاه عن التهاون ، وهو منسوب إلى ضده ؟

                                                                                                                                            وروي عن أحمد ، رحمه الله ، رواية أخرى ، أنها لا تصح صلاته ، عالما كان أو جاهلا ; لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة ، أشبه ما لو صلى ركعة كاملة ، وعلى هذا يحمل حديث أبي بكرة ، على أنه دخل في الصف قبل رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ، وقد قال أبو هريرة : لا يركع أحدكم حتى يأخذ مقامه من الصف .

                                                                                                                                            ولم يفرق القاضي في هذه المسألة [ ص: 36 ] بين من رفع رأسه من الركوع ثم دخل ، وبين من دخل فيه راكعا ، وكذلك كلام أحمد والخرقي ، ولا تفريق فيه ، والدليل يقتضي التفريق ، فيحمل كلامهم عليه ، وقد ذكره أبو الخطاب نحوا مما ذكرنا . ( 1204 ) فصل : وإن فعل هذا لغير عذر ، ولا خشي الفوات ، ففيه وجهان : أحدهما ، يجزئه ; لأنه لو لم يجز مطلقا لم يجز حال العذر ، كالركعة كلها .

                                                                                                                                            والثاني ، لا يجزئه ; لأن الأصل أن لا يجوز ; لكونه يفوته في الصف ما تفوته الركعة بفواته ، وإنما أبيح في المعذور لحديث أبي بكرة ، ففي غيره يبقى على الأصل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية