الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ما يعد مسندا من تفسير الصحابي :]

61 - قوله: (ص): "ما قيل من أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك" .

قلت: تبع المصنف في ذلك الخطيب ، كذا قال الأستاذ أبو منصور البغدادي : "إذا أخبر الصحابي - رضي الله عنه - عن سبب وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أخبر عن نزول آية له بذلك – مسند.

[ ص: 531 ] لكن أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند .

والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي - رضي الله عنه - إن كان مما لا مجال للاجتهاد [فيه] ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا، فلا كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية:

كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد [فيها] فيحكم لها بالرفع.

قال أبو عمرو الداني : "قد يحكي الصحابي - رضي الله عنه - قولا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث في المسند، لامتناع أن يكون الصحابي - رضي الله عنه - قاله إلا بتوقيف. كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة ..." . الحديث. لأن مثل هذا لا يقال: بالرأي، فيكون من جملة المسند.

[ ص: 532 ] وأما إذا فسر آية تتعلق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون ذلك مستفادا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن القواعد، فلا يجزم برفعه وكذا إذا فسر مفردا فهذا نقل عن اللسان خاصة فلا يجزم برفعه وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر ابن مردويه في تفسيره المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين.

[ إذا كان الصحابي ينظر في الإسرائيليات فلا يعطى تفسيره حكم الرفع :]

إلا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسر له من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من عرف بالنظر في الإسرائيليات، كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وغيره.

وكعبد الله بن عمرو بن العاص .

[ ص: 533 ] فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من (كتب) أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: حدثنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تحدثنا عن الصحيفة، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر (به) من الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع، لقوة الاحتمال - والله أعلم - .

تنبيه:

إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكما يحتاج إلى شرح، فشرحه الصحابي - رضي الله عنه - سواء كان من روايته أو من رواية غيره هل يكون ذلك مرفوعا أم لا؟

ذهب الحاكم إلى أنه مرفوع، فقال: (عقب) حديث أورده عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - في تفسير التميمة: هذا ليس بموقوف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر التميمة في أحاديث كثيرة، فإذا فسرتها عائشة - رضي الله تعالى عنها - كان ذلك حديثا مسندا.

[ ص: 534 ] والتحقيق أنه لا يجزم بكون جميع ذلك يحكم برفعه.

بل الاحتمال فيه واقع، فيحكم برفع ما قامت القرائن الدالة على رفعه وإلا فلا - والله أعلم - .

وهكذا إذا كان للفظ معنيان فحمله الصحابي - رضي الله عنه - على أحدهما كتفسير ابن عمر - رضي الله عنه - التفرق بالأبدان دون الأقوال.

وقال القاضي أبو الطيب : يجب قبوله على المذهب.

وكذا حمل عمر - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء" على القبض في المجلس.

[ ص: 535 ] وتردد في ذلك الشيخ أبو إسحاق - والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية