الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            9905 وعن أسماء بنت أبي بكر قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتينا بمكة كل يوم مرتين ، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة ، فقالت : يا أبت ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي وأمي ما جاء به هذه الساعة إلا أمر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل شعرت أن الله قد أذن لي في الخروج ؟ " . فقال أبو بكر : فالصحابة يا رسول الله ؟ قال : " الصحابة " . قال : إن عندي راحلتين قد علفتهما منذ كذا وكذا انتظارا لهذا اليوم فخذ إحداهما ، فقال : " بثمنها يا أبا بكر " ، فقال : بثمنها بأبي وأمي إن شئت ، قالت : فهيأنا لهم سفرة ، ثم قطعت نطاقها فربطتها ببعضه ، فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور ، فلما انتهيا إليه دخل أبو بكر الغار قبله فلم يترك فيه حجرا إلا أدخل فيه إصبعه ; مخافة أن يكون فيه هامة ، وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما ، وجعلوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة ، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه ، فقال أبو بكر لرجل [ يراه ] مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال : " كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها " . فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان يرانا ما فعل هذا " . فمكثا ثلاث ليال يروح عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غنما لأبي بكر ويدلج من عندهما فيصبح مع الرعاة في مراعيها ، ويروح معهم ويبطئ في المشي حتى إذا أظلم الليل انصرف بغنمه إليهما ، فتظن الرعاة أنه [ ص: 54 ] معهم ، وعبد الله بن أبي بكر يظل بمكة يتطلب الأخبار ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما ، ثم يدلج من عندهما فيصبح بمكة يتطلب الأخبار ، ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما ، ثم يدلج من عندهما فيصبح بمكة كبائت ، ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل ، فجعل أبو بكر يسير أمامه ، فإذا خشي أن يؤتى من خلفه سار خلفه ، فلم يزل كذلك مسيره ، وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس ، فإذا لقيه لاق ، فيقول لأبي بكر : من هذا معك ؟ فيقول : هاد يهديني ، يريد الهدى في الدين ، ويحسب الآخر دليلا حتى إذا كان بأبيات قديد وكان على طريقهما [ على الساحل ] جاء إنسان إلى [ مجلس ] بني مدلج ، فقال : قد رأيت راكبين نحو الساحل ، فإني لأجدهما لصاحب قريش الذي تبغون ، فقال سراقة بن مالك : ذانك راكبين ممن بعثنا في طلبة القوم ، ثم دعا جاريته فسارها ، فأمرها أن تخرج بفرسه وتحط رمحه ولا تنصبه حتى يأتيه في قراره بموضع كذا وكذا ، ثم يجيئها ، فركب فرسه ، ثم خرج في آثارهما ، قال سراقة : فدنوت منهما حتى إني لأسمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ركضت الفرس فوقعت بمنخريها ، فأخرجت قداحي من كنانتي ، فضربت بها أضره أم لا أضره ؟ فخرج لا تضره ، فأبت نفسي حتى إذا كنت منه بمثل ذلك الموضع خشية أن يصيبني مثل ما أصابني ناديته ، فقلت : إني أرى سيكون لك شأن ، فقف أكلمك . فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يكتب له أمانا ، فأمر أن يكتب فكتب له ، قال سراقة : فلما كان يوم حنين ، وأخرجته وناديت : أنا سراقة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يوم وفاء " ، قال سراقة : فما شبهت ساقه في غرزه إلا بجمار . فذكرت شيئا أسأله عنه فقلت : يا رسول الله ، إني رجل ذا نعم ، وإن الحياض تملأ من الماء ، فنشرب فيفضل من الماء في الحياض ، فيرد الهمل ، فهل لي في ذلك من أجر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم ، في كل كبد حرى أجر " .

                                                                                            قلت : روى أبو داود طرفا من آخره عن سراقة . رواه الطبراني ، وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب وثقه ابن حبان ، وغيره ، وضعفه أبو حاتم ، وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية