الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما أن صاحبها ملعون على لسان الشريعة :

                        فلقوله عليه الصلاة والسلام : من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

                        وعد من الإحداث : الاستنان بسنة سوء لم تكن .

                        وهذه اللعنة قد اشترك فيها صاحب البدعة مع من كفر بعد إيمانه وقد [ ص: 154 ] شهد أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيها ، وجاءه الهدى من الله والبيان الشافي ، وذلك قول الله تعالى : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق ) إلى قوله : ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) إلى آخرها .

                        واشترك أيضا مع من كتم ما أنزل الله وبينه في كتابه ، وذلك قوله تعالى : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) إلى آخرها .

                        فتأملوا المعنى الذي اشترك المبتدع فيه مع هاتين الفرقتين ، وذلك مضادة الشارع فيما شرع; لأن الله تعالى أنزل الكتاب وشرع الشرائع ، وبين الطريق للسالكين على غاية ما يمكن من البيان ، فضادها الكافر بأن جحدها جحدا ، وضادها كاتمها بنفس الكتمان ، لأن الشارع يبين ويظهر وهذا يكتم ويخفي ، وضادها المبتدع بأن وضع الوسيلة لترك ما بين وإخفاء ما أظهر ، لأن من شأنه أن يدخل الإشكال في الواضحات ، من أجل اتباع المتشابهات ، لأن الواضحات تهدم له ما بنى عليه من المتشابهات ، فهو آخذ في إدخال الإشكال على الواضح ، حتى يرتكب ما جاءت اللعنة في الابتداع به من الله والملائكة والناس أجمعين .

                        قال أبو مصعب صاحب مالك : " قدم علينا ابن مهدي يعني : المدينة فصلى ووضع رداءه بين يدي الصف ، فلما سلم الإمام; رمقه الناس بأبصارهم ورمقوا مالكا ، وكان قد صلى خلف الإمام ، فلما سلم; [ ص: 155 ] قال : من هاهنا من الحرس ؟ فجاءه نفسان ، فقال : خذا صاحب هذا الثوب ، فاحبساه ، فحبس ، فقيل له : إنه ابن مهدي; فوجه إليه ، وقال له : أما خفت الله واتقيته أن وضعت ثوبك بين يديك في الصف ، وشغلت المصلين بالنظر إليه ، وأحدثت في مسجدنا شيئا ما كنا نعرفه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أحدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ؟ ! فبكى ابن مهدي ، وآلى على نفسه أن لا يفعل ذلك أبدا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في غيره " .

                        وهذا غاية في التوقي والتحفظ في ترك إحداث ما لم يكن; خوفا من تلك اللعنة ، فما ظنك بما سوى وضع الثوب ؟ !

                        وتقدم حديث الطحاوي : " ستة ألعنهم ، لعنهم الله " ، فذكر فيهم التارك لسنته عليه الصلاة والسلام أخذا بالبدعة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية