الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها ثبوت النسب إذا جاءت بولد ، والكلام في هذا الموضع في موضعين في الأصل : .

                                                                                                                                أحدهما في بيان ما يثبت فيه نسب ولد المعتدة من المدة ، والثاني في بيان ما يثبت به نسبه من الحجة أي يظهر به : أما الأول فالأصل فيه أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ; لقوله عز وجل { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } جعل الله تعالى ثلاثين شهرا مدة الحمل والفصال جميعا ثم جعل سبحانه وتعالى الفصال وهو الفطام في عامين بقوله تعالى { وفصاله في عامين } فيبقى للحمل ستة أشهر ، وهذا الاستدلال منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه روى أن رجلا تزوج امرأة فجاءت بولد لستة أشهر فهم عثمان رضي الله عنه برجمها فقال ابن عباس رضي الله عنهما : أما إنه لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال الله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال سبحانه { وفصاله في عامين } أشار إلى ما ذكرنا فدل أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنتان عندنا .

                                                                                                                                وعند الشافعي أربع سنين ، وهو محجوج بحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : { لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل } والظاهر أنها قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن هذا باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد ، ولا يظن بها أنها قالت ذلك جزافا وتخمينا فتعين السماع ، وأصل آخر أن كل مطلقة لم تلزمها العدة بأن لم تكن مدخولا بها فنسب ولدها لا يثبت من الزوج إلا إذا علم يقينا أنه منه ، وهو أن تجيء به لأقل من ستة أشهر وكل مطلقة عليها العدة فنسب ولدها يثبت من الزوج إلا إذا علم يقينا أنه ليس منه ، وهو أن تجيء به لأكثر من سنتين ، وإنما كان كذلك ; لأن الطلاق قبل الدخول يوجب انقطاع النكاح بجميع علائقه فكان النكاح من كل وجه زائلا بيقين ، وما زال بيقين لا يثبت إلا بيقين مثله فإذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الطلاق فقد تيقنا أن العلوق وجد في حال الفراش وأنه وطئها وهي حامل منه إذ لا يحتمل أن يكون بوطء بعد الطلاق ; لأن المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر فكان من وطء وجد على فراش الزوج ، وكون العلوق في فراشه يوجب ثبوت النسب منه ، فإذا جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لم يستيقن بكونه مولودا على الفراش لاحتمال أن يكون بوطء بعد الطلاق ، والفراش كان زائلا بيقين فلا يثبت مع الشك ، وعلى هذا يخرج ما إذا طلق امرأته قبل الدخول بها فجاءت بولد لأقل [ ص: 212 ] من ستة أشهر مذ طلقها أنه يلزمه لتيقننا بعلوقه حال قيام النكاح ، وإذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لعدم التيقن بذلك ، ويستوي في هذا الحكم ذوات الأقراء وذوات الأشهر لما قلنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية