الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) العقل عندنا فلا تجب الزكاة في مال المجنون جنونا أصليا وجملة الكلام فيه أن الجنون نوعان أصلي وطارئ .

                                                                                                                                أما الأصلي وهو أن يبلغ مجنونا فلا خلاف بين أصحابنا أنه يمنع انعقاد الحول على النصاب حتى لا يجب عليه أداء زكاة ما مضى من الأحوال بعد الإفاقة وإنما يعتبر ابتداء الحول من وقت الإفاقة ; لأنه الآن صار أهلا لأن ينعقد الحول على ماله كالصبي إذا بلغ أنه لا يجب عليه أداء زكاة ما مضى من زمان الصبا ، وإنما يعتبر ابتداء الحول على ماله من وقت البلوغ عندنا كذا هذا ولهذا منع وجوب الصلاة والصوم كذا الزكاة .

                                                                                                                                وأما الجنون الطارئ فإن دام سنة كاملة فهو في حكم الأصلي ألا ترى أنه في حق الصوم كذلك كذا في حق الزكاة ; لأن السنة في الزكاة كالشهر في الصوم ، والجنون المستوعب للشهر يمنع وجوب الصوم فالمستوعب للسنة يمنع وجوب الزكاة ولهذا يمنع وجوب الصلاة والحج فكذا الزكاة وإن كان في بعض السنة ثم أفاق روي عن محمد في النوادر أنه إن أفاق في شيء من السنة وإن كان ساعة من الحول من أوله أو وسطه أو آخره تجب زكاة ذلك الحول وهو رواية ابن سماعة عن أبي يوسف أيضا وروى هشام عنه أنه قال : إن أفاق أكثر السنة وجبت وإلا فلا .

                                                                                                                                وجه هذه الرواية أنه إذا كان أكثر السنة مفيقا فكأنه كان مفيقا في جميع السنة ; لأن للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام خصوصا فيما يحتاط فيه .

                                                                                                                                وجه الرواية الأخرى وهو قول محمد هو اعتبار [ ص: 6 ] الزكاة بالصوم وهو اعتبار صحيح ; لأن السنة للزكاة كالشهر للصوم ثم الإفاقة في جزء من الشهر يكفي لوجوب صوم الشهر كذا الإفاقة في جزء من السنة تكفي لانعقاد الحول على المال .

                                                                                                                                وأما الذي يجن ويفيق فهو كالصحيح وهو بمنزلة النائم والمغمى عليه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية