الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ولاية حسان بن النعمان إفريقية

قد ذكرنا ولاية زهير بن قيس سنة اثنتين وستين ، وكان قتله سنة تسع وستين ، فلما علم عبد الملك قتله عظم عليه وعلى المسلمين وأهمه ذلك ، وشغله عن إفريقية ما كان بينه وبين ابن الزبير ، فلما قتل ابن الزبير واجتمع المسلمون عليه ، جهز جيشا كثيرا ، واستعمل عليهم وعلى إفريقية حسان بن النعمان الغساني ، وسيرهم إليها في هذه السنة ، فلم يدخل إفريقية قط جيش مثله .

فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة ، وكان صاحبها أعظم ملوك إفريقية ، ولم يكن المسلمون قط حاربوها ، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر ما لا يحصى كثرة ، فقاتلهم وحصرهم وقتل منهم كثيرا ، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب ، فركبوا في مراكبهم ، وسار بعضهم إلى صقلية ، وبعضهم إلى الأندلس ، ودخلها حسان بالسيف ، فسبى ونهب ، وقتلهم قتلا ذريعا ، وأرسل الجيوش فيما حولها ، فأسرعوا إليه خوفا ، فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه .

[ ص: 416 ] ثم بلغه أن الروم والبربر قد اجتمعوا له في صطفورة وبنزرت ، وهما مدينتان ، فسار إليهم وقاتلهم ، ولقي منهم شدة وقوة ، فصبر لهم المسلمون ، فانهزمت الروم وكثر القتل فيهم ، واستولوا على بلادهم ، ولم يترك حسان موضعا من بلادهم إلا وطئه ، وخافه أهل إفريقية خوفا شديدا ، ولجأ المنهزمون من الروم إلى مدينة باجة ، فتحصنوا بها ، وتحصن البربر بمدينة بونة ، فعاد حسان إلى القيروان لأن الجراح قد كثرت في أصحابه ، فأقام بها حتى صحوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية