قال المانعون من الوقوع : الكلام معكم في ثلاث مقامات بها يستبين الحق في المسألة .
المقام الأول : بطلان ما زعمتم من الإجماع ، وأنه لا سبيل لكم إلى إثباته البتة ، بل العلم بانتفائه معلوم .
المقام الثاني : أن فتوى الجمهور بالقول لا يدل على صحته ، وقول الجمهور ليس بحجة .
[ ص: 214 ] المقام الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=11760الطلاق المحرم لا يدخل تحت نصوص الطلاق المطلقة التي رتب الشارع عليها أحكام الطلاق ، فإن ثبتت لنا هذه المقامات الثلاث ، كنا أسعد بالصواب منكم في المسألة .
فنقول : أما المقام الأول ، فقد تقدم من حكاية النزاع ما يعلم معه بطلان دعوى الإجماع ، كيف، ولو لم يعلم ذلك لم يكن لكم سبيل إلى إثبات الإجماع الذي تقوم به الحجة ، وتنقطع معه المعذرة ، وتحرم معه المخالفة ، فإن الإجماع الذي يوجب ذلك هو الإجماع القطعي المعلوم .
وأما المقام الثاني : وهو أن الجمهور على هذا القول ، فأوجدونا في الأدلة الشرعية أن قول الجمهور حجة مضافة إلى كتاب الله وسنة رسوله ، وإجماع أمته .
ومن تأمل مذاهب العلماء قديما وحديثا من عهد الصحابة وإلى الآن ، واستقرأ أحوالهم وجدهم مجمعين على تسويغ خلاف الجمهور ، ووجد لكل منهم أقوالا عديدة انفرد بها عن الجمهور ، ولا يستثنى من ذلك أحد قط ، ولكن مستقل ومستكثر فمن شئتم سميتموه من الأئمة تتبعوا ما له من الأقوال التي خالف فيها الجمهور ، ولو تتبعنا ذلك وعددناه ، لطال الكتاب به جدا ، ونحن نحيلكم على الكتب المتضمنة لمذاهب العلماء واختلافهم ، ومن له معرفة بمذاهبهم وطرائقهم ، يأخذ إجماعهم على ذلك من اختلافهم ، ولكن هذا في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد ، ولا تدفعها السنة الصحيحة الصريحة ، وأما ما كان هذا سبيله ، فإنهم كالمتفقين على إنكاره ورده ، وهذا هو المعلوم من مذاهبهم في الموضعين .
وأما المقام الثالث : وهو دعواكم دخول الطلاق المحرم تحت نصوص الطلاق ، وشمولها للنوعين إلى آخر كلامكم ، فنسألكم : ما تقولون فيمن ادعى دخول أنواع البيع المحرم ، والنكاح المحرم تحت نصوص البيع
[ ص: 215 ] والنكاح ، وقال : شمول الاسم للصحيح من ذلك والفاسد سواء ؟ بل وكذلك سائر العقود المحرمة إذا ادعى دخولها تحت ألفاظ العقود الشرعية ، وكذلك العبادات المحرمة المنهي عنها إذا ادعى دخولها تحت الألفاظ الشرعية ، وحكم لها بالصحة لشمول الاسم لها ، هل تكون دعواه صحيحة أو باطلة ؟
فإن قلتم : صحيحة ولا سبيل لكم إلى ذلك ، كان قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين ، وإن قلتم : دعواه باطلة ، تركتم قولكم ورجعتم إلى ما قلناه ، وإن قلتم : تقبل في موضع ، وترد في موضع ، قيل لكم : ففرقوا بفرقان صحيح مطرد منعكس، معكم به برهان من الله بين ما يدخل من العقود المحرمة تحت ألفاظ النصوص ، فيثبت له حكم الصحة ، وبين ما لا يدخل تحتها ، فيثبت له حكم البطلان ، وإن عجزتم عن ذلك ، فاعلموا أنه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يحسن كل أحد مقابلتها بمثلها ، أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله ، وإذا كشف الغطاء عما قررتموه في هذه الطريق وجد عين محل النزاع ، فقد جعلتموه مقدمة في الدليل ، وذلك عين المصادرة على المطلوب ، فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=241وللمطلقات متاع ) ، وتحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ، وأمثال ذلك ، وهل سلم لكم منازعوكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم ؟
قالوا : وأما استدلالكم بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، فهو إلى أن يكون حجة عليكم أقرب منه إلى أن يكون حجة لكم من وجوه :
أحدها : صريح قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003363فردها علي ولم يرها شيئا ) ، وقد تقدم بيان صحته . قالوا : فهذا الصريح الصحيح ليس بأيديكم ما يقاومه في الموضعين ، بل جميع تلك الألفاظ إما صحيحة غير صريحة ، وإما صريحة غير صحيحة كما ستقفون عليه .
الثاني : أنه قد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه - بإسناد كالشمس من
[ ص: 216 ] رواية
عبيد الله ، عن
نافع عنه ، في
nindex.php?page=treesubj&link=11750_11760الرجل يطلق امرأته وهي حائض ، قال : لا يعتد بذلك وقد تقدم .
الثالث : أنه لو كان صريحا في الاعتداد به ، لما عدل به إلى مجرد الرأي وقوله للسائل: أرأيت ؟
الرابع : أن الألفاظ قد اضطربت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في ذلك اضطرابا شديدا ، وكلها صحيحة عنه ، وهذا يدل على أنه لم يكن عنده نص صريح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقوع تلك الطلقة والاعتداد بها ، وإذا تعارضت تلك الألفاظ ، نظرنا إلى مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وفتواه ، فوجدناه صريحا في عدم الوقوع ، ووجدنا أحد ألفاظ حديثه صريحا في ذلك ، فقد اجتمع صريح روايته وفتواه على عدم الاعتداد ، وخالف في ذلك ألفاظ مجملة مضطربة ، كما تقدم بيانه .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه - : وما لي لا أعتد بها ، وقوله : أرأيت إن عجز واستحمق ، فغاية هذا أن يكون رواية صريحة عنه بالوقوع ، ويكون عنه روايتان .
وقولكم : كيف يفتي بالوقوع وهو يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ردها عليه ولم يعتد عليه بها ؟ فليس هذا بأول حديث خالفه راويه ، وله بغيره من الأحاديث التي خالفها راويها أسوة حسنة في تقديم رواية الصحابي ومن بعده على رأيه .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس حديث
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=26300_23950بيع الأمة ليس بطلاقها ، وأفتى بخلافه ، فأخذ الناس بروايته ، وتركوا رأيه ، وهذا هو الصواب ، فإن الرواية معصومة عن معصوم ، والرأي بخلافها ، كيف وأصرح الروايتين عنه موافقته لما رواه من عدم الوقوع على أن في هذا فقها دقيقا إنما يعرفه من له غور على أقوال الصحابة ومذاهبهم ، وفهمهم عن الله ورسوله ، واحتياطهم للأمة ، >
[ ص: 217 ] ولعلك تراه قريبا عند الكلام على حكمه - صلى الله عليه وسلم - في إيقاع الطلاق الثلاث جملة .
وأما قوله في حديث
ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب في آخره ، وهي واحدة فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قدمنا عليها شيئا ، ولصرنا إليها بأول وهلة ، ولكن لا ندري أقالها
ابن وهب من عنده أم
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، أم
نافع ، فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يتيقن أنه من كلامه ، ويشهد به عليه ، وترتب عليه الأحكام ، ويقال : هذا من عند الله بالوهم والاحتمال ، والظاهر أنها من قول من دون
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه - ومراده بها أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إنما طلقها طلقة واحدة ، ولم يكن ذلك منه ثلاثا ، أي طلق
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه - امرأته واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عطاء عن
نافع ، أن تطليقة
عبد الله حسبت عليه ، فهذا غايته أن يكون من كلام
نافع ، ولا يعرف من الذي حسبها ، أهو
عبد الله نفسه ، أو أبوه
عمر ، أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ولا يجوز أن يشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوهم والحسبان ، وكيف يعارض صريح قوله : ولم يرها شيئا بهذا المجمل ؟ والله يشهد - وكفى بالله شهيدا - أنا لو تيقنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حسبها عليه ، لم نتعد ذلك ، ولم نذهب إلى سواه .
وأما حديث
أنس : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003369من طلق في بدعة ألزمناه بدعته ) ، فحديث باطل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نشهد بالله أنه حديث باطل عليه ، ولم يروه أحد من الثقات من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، وإنما هو من حديث
إسماعيل بن أمية الذارع الكذاب الذي يذرع ويفصل ، ثم الراوي له عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع ، وقد ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني وغيره ، وكان قد اختلط في آخر عمره ، وقال
[ ص: 218 ] nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : يخطئ كثيرا ، ومثل هذا إذا تفرد بحديث لم يكن حديثه حجة .
وأما إفتاء
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت - رضي الله عنهما - بالوقوع ، فلو صح ذلك ولا يصح أبدا ، فإن أثر
عثمان ، فيه كذاب عن مجهول لا يعرف عينه ولا حاله ، فإنه من رواية
ابن سمعان ، عن رجل ، وأثر
زيد : فيه مجهول عن مجهول :
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد ، عن رجل سماه عن
زيد ، فيالله العجب ، أين هاتان الروايتان من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16503عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن
عبيد الله حافظ الأمة ، عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : لا يعتد بها . فلو كان هذا الأثر من قبلكم ، لصلتم به وجلتم .
وأما قولكم : إن تحريمه لا يمنع ترتب أثره عليه ، كالظهار ، فيقال أولا : هذا قياس يدفعه ما ذكرناه من النص ، وسائر تلك الأدلة التي هي أرجح منه ، ثم يقال ثانيا : هذا معارض بمثله سواء معارضة القلب بأن يقال : تحريمه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح ، ويقال ثالثا : ليس للظهار جهتان : جهة حل ، وجهة حرمة ، بل كله حرام ، فإنه منكر من القول وزور ، فلا يمكن أن ينقسم إلى حلال جائز ، وحرام باطل ، بل هو بمنزلة القذف من الأجنبي والردة ، فإذا وجد لم يوجد إلا مع مفسدته ، فلا يتصور أن يقال : منه حلال صحيح ، وحرام باطل ، بخلاف النكاح والطلاق والبيع ، فالظهار نظير الأفعال المحرمة التي إذا وقعت قارنتها مفاسدها ، فترتبت عليها أحكامها ، وإلحاق الطلاق بالنكاح والبيع والإجارة والعقود المنقسمة إلى حلال وحرام وصحيح وباطل - أولى .
وأما قولكم : إن النكاح عقد يملك به البضع ، والطلاق عقد يخرج به ، فنعم . من أين لكم برهان من الله ورسوله بالفرق بين العقدين في اعتبار حكم أحدهما ، والإلزام به وتنفيذه ، وإلغاء الآخر وإبطاله ؟
وأما زوال ملكه عن العين بالإتلاف المحرم ، فذلك ملك قد زال حسا ،
[ ص: 219 ] ولم يبق له محل . وأما زواله بالإقرار الكاذب ، فأبعد وأبعد ، فإنا صدقناه ظاهرا في إقراره ، وأزلنا ملكه بالإقرار المصدق فيه وإن كان كاذبا .
وأما زوال الإيمان بالكلام الذي هو كفر ، فقد تقدم جوابه ، وأنه ليس في الكفر حلال وحرام .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11768طلاق الهازل ، فإنما وقع ، لأنه صادف محلا ، وهو طهر لم يجامع فيه فنفذ ، وكونه هزل به إرادة منه أن لا يترتب أثره عليه ، وذلك ليس إليه ، بل إلى الشارع ، فهو قد أتى بالسبب التام ، وأراد ألا يكون سببه ، فلم ينفعه ذلك ، بخلاف من طلق في غير زمن الطلاق ، فإنه لم يأت بالسبب الذي نصبه الله سبحانه مفضيا إلى وقوع الطلاق ، وإنما أتى بسبب من عنده ، وجعله هو مفضيا إلى حكمه ، وذلك ليس إليه .
وأما قولكم : إن النكاح نعمة ، فلا يكون سببه إلا طاعة بخلاف الطلاق ، فإنه من باب إزالة النعم ، فيجوز أن يكون سببه معصية ، فيقال : قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يفك بها المطلق الغل من عنقه ، والقيد من رجله ، فليس كل طلاق نقمة ، بل من تمام نعمة الله على عباده أن مكنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج ، والتخلص ممن لا يحبها ولا يلائمها ، فلم ير للمتحابين مثل النكاح ، ولا للمتباغضين مثل الطلاق ، ثم كيف يكون نقمة والله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) [ البقرة : 236 ] ، ويقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] ؟ .
وأما قولكم : إن الفروج يحتاط لها ، فنعم ، وهكذا قلنا سواء ، فإنا احتطنا وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين ، فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهة واحدة ، وإن أصبنا فصوابنا في جهتين ، جهة الزوج الأول ، وجهة الثاني ، وأنتم ترتكبون أمرين : تحريم الفرج على من
[ ص: 220 ] كان حلالا له بيقين ، وإحلاله لغيره ، فإن كان خطأ ، فهو خطأ من جهتين ، فتبين أنا أولى بالاحتياط منكم ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في رواية
أبي طالب في طلاق السكران نظير هذا الاحتياط سواء ، فقال : الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى خصلة واحدة ، والذي يأمر بالطلاق أتى خصلتين ؛ حرمها عليه ، وأحلها لغيره ، فهذا خير من هذا .
وأما قولكم : إن النكاح يدخل فيه بالعزيمة والاحتياط ، ويخرج منه بأدنى شيء ، قلنا : ولكن لا يخرج منه إلا بما نصبه الله سببا يخرج به منه ، وأذن فيه : وأما ما ينصبه المؤمن عنده ، ويجعله هو سببا للخروج منه ، فكلا . فهذا منتهى أقدام الطائفتين في هذه المسألة الضيقة المعترك ، الوعرة المسلك التي يتجاذب أعنة أدلتها الفرسان ، وتتضاءل لدى صولتها شجاعة الشجعان ، وإنما نبهنا على مأخذها وأدلتها ليعلم الغر الذي بضاعته من العلم مزجاة ، أن هناك شيئا آخر وراء ما عنده ، وأنه إذا كان ممن قصر في العلم باعه ، فضعف خلف الدليل ، وتقاصر عن جني ثماره ذراعه ، فليعذر من شمر عن ساق عزمه ، وحام حول آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحكيمها ، والتحاكم إليها بكل همة ، وإن كان غير عاذر لمنازعه في قصوره ورغبته عن هذا الشأن البعيد ، فليعذر منازعه في رغبته عما ارتضاه لنفسه من محض التقليد ، ولينظر مع نفسه أيهما هو المعذور ، وأي السعيين أحق بأن يكون هو السعي المشكور ، والله المستعان وعليه التكلان ، وهو الموفق للصواب ، الفاتح لمن أم بابه طالبا لمرضاته من الخير كل باب .
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنَ الْوُقُوعِ : الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ بِهَا يَسْتَبِينُ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ .
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ : بُطْلَانُ مَا زَعَمْتُمْ مِنَ الْإِجْمَاعِ ، وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى إِثْبَاتِهِ الْبَتَّةَ ، بَلِ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ مَعْلُومٌ .
الْمَقَامُ الثَّانِي : أَنَّ فَتْوَى الْجُمْهُورِ بِالْقَوْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ .
[ ص: 214 ] الْمَقَامُ الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11760الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نُصُوصِ الطَّلَاقِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَيْهَا أَحْكَامَ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ ثَبَتَتْ لَنَا هَذِهِ الْمَقَامَاتُ الثَّلَاثُ ، كُنَّا أَسْعَدَ بِالصَّوَابِ مِنْكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ .
فَنَقُولُ : أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ النِّزَاعِ مَا يُعْلَمُ مَعَهُ بُطْلَانُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ، كَيْفَ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ سَبِيلٌ إِلَى إِثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ، وَتَنْقَطِعُ مَعَهُ الْمَعْذِرَةُ ، وَتَحْرُمُ مَعَهُ الْمُخَالَفَةُ ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الَّذِي يُوجِبُ ذَلِكَ هُوَ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ الْمَعْلُومُ .
وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَأَوْجِدُونَا فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ حُجَّةٌ مُضَافَةٌ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَإِجْمَاعِ أُمَّتِهِ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَإِلَى الْآنَ ، وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ وَجَدَهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى تَسْوِيغِ خِلَافِ الْجُمْهُورِ ، وَوَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَقْوَالًا عَدِيدَةً انْفَرَدَ بِهَا عَنِ الْجُمْهُورِ ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ قَطُّ ، وَلَكِنْ مُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ فَمَنْ شِئْتُمْ سَمَّيْتُمُوهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ تَتَبَّعُوا مَا لَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْجُمْهُورَ ، وَلَوْ تَتَبَّعْنَا ذَلِكَ وَعَدَدْنَاهُ ، لَطَالَ الْكِتَابُ بِهِ جِدًّا ، وَنَحْنُ نُحِيلُكُمْ عَلَى الْكُتُبِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافِهِمْ ، وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَذَاهِبِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ ، يَأْخُذُ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ ، وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ ، وَلَا تَدْفَعُهَا السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ ، وَأَمَّا مَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ ، فَإِنَّهُمْ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى إِنْكَارِهِ وَرَدِّهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّالِثُ : وَهُوَ دَعْوَاكُمْ دُخُولَ الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الطَّلَاقِ ، وَشُمُولَهَا لِلنَّوْعَيْنِ إِلَى آخِرِ كَلَامِكُمْ ، فَنَسْأَلُكُمْ : مَا تَقُولُونَ فِيمَنِ ادَّعَى دُخُولَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ ، وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الْبَيْعِ
[ ص: 215 ] وَالنِّكَاحِ ، وَقَالَ : شُمُولُ الِاسْمِ لِلصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ ؟ بَلْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ إِذَا ادَّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمُحَرَّمَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا إِذَا ادَّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَحَكَمَ لَهَا بِالصِّحَّةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهَا ، هَلْ تَكُونُ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً أَوْ بَاطِلَةً ؟
فَإِنْ قُلْتُمْ : صَحِيحَةٌ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى ذَلِكَ ، كَانَ قَوْلًا مَعْلُومَ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ ، وَإِنْ قُلْتُمْ : دَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ ، تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ وَرَجَعْتُمْ إِلَى مَا قُلْنَاهُ ، وَإِنْ قُلْتُمْ : تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ ، وَتُرَدُّ فِي مَوْضِعٍ ، قِيلَ لَكُمْ : فَفَرِّقُوا بِفُرْقَانٍ صَحِيحٍ مُطَّرِدٍ مُنْعَكِسٍ، مَعَكُمْ بِهِ بُرْهَانٌ مِنَ اللَّهِ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ تَحْتَ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ ، فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ ، وَبَيْنَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهَا ، فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ ، وَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى الدَّعْوَى الَّتِي يُحْسِنُ كُلُّ أَحَدٍ مُقَابَلَتَهَا بِمِثْلِهَا ، أَوِ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَنْ يُحْتَجُّ لِقَوْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ ، وَإِذَا كُشِفَ الْغِطَاءُ عَمَّا قَرَّرْتُمُوهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وُجِدَ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، فَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مُقَدِّمَةً فِي الدَّلِيلِ ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، فَهَلْ وَقَعَ النِّزَاعُ إِلَّا فِي دُخُولِ الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=241وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ ) ، وَتَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، وَهَلْ سَلَّمَ لَكُمْ مُنَازِعُوكُمْ قَطُّ ذَلِكَ حَتَّى تَجْعَلُوهُ مُقَدِّمَةً لِدَلِيلِكُمْ ؟
قَالُوا : وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، فَهُوَ إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَكُمْ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : صَرِيحُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003363فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ صِحَّتِهِ . قَالُوا : فَهَذَا الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ مَا يُقَاوِمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، بَلْ جَمِيعُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إِمَّا صَحِيحَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ ، وَإِمَّا صَرِيحَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا سَتَقِفُونَ عَلَيْهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِسْنَادٍ كَالشَّمْسِ مِنْ
[ ص: 216 ] رِوَايَةِ
عبيد الله ، عَنْ
نافع عَنْهُ ، فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11750_11760الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، قَالَ : لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ ، لَمَا عَدَلَ بِهِ إِلَى مُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَقَوْلِهِ لِلسَّائِلِ: أَرَأَيْتَ ؟
الرَّابِعُ : أَنَّ الْأَلْفَاظَ قَدِ اضْطَرَبَتْ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا شَدِيدًا ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ عَنْهُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصٌّ صَرِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُقُوعِ تِلْكَ الطَّلْقَةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ ، نَظَرْنَا إِلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ وَفَتْوَاهُ ، فَوَجَدْنَاهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ ، وَوَجَدْنَا أَحَدَ أَلْفَاظِ حَدِيثِهِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ ، فَقَدِ اجْتَمَعَ صَرِيحُ رِوَايَتِهِ وَفَتْوَاهُ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : وَمَا لِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا ، وَقَوْلُهُ : أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ ، فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً صَرِيحَةً عَنْهُ بِالْوُقُوعِ ، وَيَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ .
وَقَوْلُكُمْ : كَيْفَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَدَّ عَلَيْهِ بِهَا ؟ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ ، وَلَهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي خَالَفَهَا رَاوِيهَا أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ عَلَى رَأْيِهِ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26300_23950بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِطَلَاقِهَا ، وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِرِوَايَتِهِ ، وَتَرَكُوا رَأْيَهُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ ، وَالرَّأْيُ بِخِلَافِهَا ، كَيْفَ وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا فِقْهًا دَقِيقًا إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ غَوْرٌ عَلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَمَذَاهِبِهِمْ ، وَفَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَاحْتِيَاطِهِمْ لِلْأُمَّةِ ، >
[ ص: 217 ] وَلَعَلَّكَ تَرَاهُ قَرِيبًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
ابن وهب عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي آخِرِهِ ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَدَّمْنَا عَلَيْهَا شَيْئًا ، وَلَصِرْنَا إِلَيْهَا بِأَوَّلِ وَهْلَةٍ ، وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَقَالَهَا
ابن وهب مِنْ عِنْدِهِ أَمِ
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، أَمْ
نافع ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ ، وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ ، وَيُقَالُ : هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْوَهْمِ وَالِاحْتِمَالِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُرَادُهُ بِهَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثًا ، أَيْ طَلَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
عطاء عَنْ
نافع ، أَنَّ تَطْلِيقَةَ
عبد الله حُسِبَتْ عَلَيْهِ ، فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ
نافع ، وَلَا يُعْرَفُ مَنِ الَّذِي حَسَبَهَا ، أَهُوَ
عبد الله نَفْسُهُ ، أَوْ أَبُوهُ
عمر ، أَوْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَهْمِ وَالْحُسْبَانِ ، وَكَيْفَ يُعَارَضُ صَرِيحُ قَوْلِهِ : وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بِهَذَا الْمُجْمَلِ ؟ وَاللَّهُ يَشْهَدُ - وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا - أَنَّا لَوْ تَيَقَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ ، لَمْ نَتَعَدَّ ذَلِكَ ، وَلَمْ نَذْهَبْ إِلَى سِوَاهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
أنس : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003369مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ ) ، فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ
إسماعيل بن أمية الذَّارِعِ الْكَذَّابِ الَّذِي يُذْرِعُ وَيُفَصِّلُ ، ثُمَّ الرَّاوِي لَهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13433عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13855الْبَرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَكَانَ قَدِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ، وَقَالَ
[ ص: 218 ] nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ : يُخْطِئُ كَثِيرًا ، وَمِثْلُ هَذَا إِذَا تَفَرَّدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُهُ حُجَّةً .
وَأَمَّا إِفْتَاءُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالْوُقُوعِ ، فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ أَبَدًا ، فَإِنَّ أَثَرَ
عثمان ، فِيهِ كَذَّابٌ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ وَلَا حَالُهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ
ابن سمعان ، عَنْ رَجُلٍ ، وَأَثَرُ
زيد : فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ مَجْهُولٍ :
nindex.php?page=showalam&ids=7246قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ
زيد ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبَ ، أَيْنَ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16503عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ
عبيد الله حَافِظِ الْأُمَّةِ ، عَنْ
نافع عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يُعْتَدُّ بِهَا . فَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَثَرُ مِنْ قِبَلِكُمْ ، لَصُلْتُمْ بِهِ وَجُلْتُمْ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ تَحْرِيمَهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتُّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ ، كَالظِّهَارِ ، فَيُقَالُ أَوَّلًا : هَذَا قِيَاسٌ يَدْفَعُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ النَّصِّ ، وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ ، ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا : هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ مُعَارَضَةُ الْقَلْبِ بِأَنْ يُقَالَ : تَحْرِيمُهُ يَمْنَعُ تَرَتُّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ ، وَيُقَالُ ثَالِثًا : لَيْسَ لِلظِّهَارِ جِهَتَانِ : جِهَةُ حِلٍّ ، وَجِهَةُ حُرْمَةٍ ، بَلْ كُلُّهُ حَرَامٌ ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُوْرٌ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى حَلَالٍ جَائِزٍ ، وَحَرَامٍ بَاطِلٍ ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَذْفِ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالرِّدَّةِ ، فَإِذَا وُجِدَ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا مَعَ مَفْسَدَتِهِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ : مِنْهُ حَلَالٌ صَحِيحٌ ، وَحَرَامٌ بَاطِلٌ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ ، فَالظِّهَارُ نَظِيرُ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي إِذَا وَقَعَتْ قَارَنَتْهَا مَفَاسِدُهَا ، فَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا ، وَإِلْحَاقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْمُنْقَسِمَةِ إِلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَصَحِيحٍ وَبَاطِلٍ - أَوْلَى .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يُمَلَّكُ بِهِ الْبُضْعُ ، وَالطَّلَاقُ عَقْدٌ يُخْرَجُ بِهِ ، فَنَعَمْ . مِنْ أَيْنَ لَكُمْ بُرْهَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فِي اعْتِبَارِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا ، وَالْإِلْزَامِ بِهِ وَتَنْفِيذِهِ ، وَإِلْغَاءِ الْآخَرِ وَإِبْطَالِهِ ؟
وَأَمَّا زَوَالُ مِلْكِهِ عَنِ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرَّمِ ، فَذَلِكَ مِلْكٌ قَدْ زَالَ حِسًّا ،
[ ص: 219 ] وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ . وَأَمَّا زَوَالُهُ بِالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ ، فَأَبْعَدُ وَأَبْعَدُ ، فَإِنَّا صَدَّقْنَاهُ ظَاهِرًا فِي إِقْرَارِهِ ، وَأَزَلْنَا مِلْكَهُ بِالْإِقْرَارِ الْمُصَدَّقِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا .
وَأَمَّا زَوَالُ الْإِيمَانِ بِالْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُفْرِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11768طَلَاقُ الْهَازِلِ ، فَإِنَّمَا وَقَعَ ، لِأَنَّهُ صَادَفَ مَحَلًّا ، وَهُوَ طُهْرٌ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ فَنَفَذَ ، وَكَوْنُهُ هَزَلَ بِهِ إِرَادَةً مِنْهُ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَيْهِ ، بَلْ إِلَى الشَّارِعِ ، فَهُوَ قَدْ أَتَى بِالسَّبَبِ التَّامِّ ، وَأَرَادَ أَلَّا يَكُونَ سَبَبَهُ ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَنْ طَلَّقَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالسَّبَبِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُفْضِيًا إِلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَإِنَّمَا أَتَى بِسَبَبٍ مِنْ عِنْدِهِ ، وَجَعَلَهُ هُوَ مُفْضِيًا إِلَى حُكْمِهِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ النِّكَاحَ نِعْمَةٌ ، فَلَا يَكُونُ سَبَبُهُ إِلَّا طَاعَةً بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ إِزَالَةِ النِّعَمِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً ، فَيُقَالُ : قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الَّتِي يَفُكُّ بِهَا الْمُطَلِّقُ الْغُلَّ مِنْ عُنُقِهِ ، وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ ، فَلَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ نِقْمَةً ، بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ، وَالتَّخَلُّصَ مِمَّنْ لَا يُحِبُّهَا وَلَا يُلَائِمُهَا ، فَلَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ ، وَلَا لِلْمُتَبَاغِضَيْنِ مِثْلُ الطَّلَاقِ ، ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ نِقْمَةً وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) [ الْبَقَرَةِ : 236 ] ، وَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) [ الطَّلَاقِ : 1 ] ؟ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا ، فَنَعَمْ ، وَهَكَذَا قُلْنَا سَوَاءٌ ، فَإِنَّا احْتَطْنَا وَأَبْقَيْنَا الزَّوْجَيْنِ عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ حَتَّى يَأْتِيَ مَا يُزِيلُهُ بِيَقِينٍ ، فَإِذَا أَخْطَأْنَا فَخَطَؤُنَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ أَصَبْنَا فَصَوَابُنَا فِي جِهَتَيْنِ ، جِهَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَجِهَةِ الثَّانِي ، وَأَنْتُمْ تَرْتَكِبُونَ أَمْرَيْنِ : تَحْرِيمَ الْفَرَجِ عَلَى مَنْ
[ ص: 220 ] كَانَ حَلَالًا لَهُ بِيَقِينٍ ، وَإِحْلَالَهُ لِغَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً ، فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ جِهَتَيْنِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّا أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْكُمْ ، وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
أبي طالب فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ نَظِيرُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ سَوَاءٌ ، فَقَالَ : الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ إِنَّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً ، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ ؛ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ ، وَأَحَلَّهَا لِغَيْرِهِ ، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ النِّكَاحَ يُدْخَلُ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ وَالِاحْتِيَاطِ ، وَيُخْرَجُ مِنْهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ ، قُلْنَا : وَلَكِنْ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إِلَّا بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ سَبَبًا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهُ ، وَأَذِنَ فِيهِ : وَأَمَّا مَا يَنْصِبُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ ، وَيَجْعَلُهُ هُوَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهُ ، فَكَلَّا . فَهَذَا مُنْتَهَى أَقْدَامِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّيِّقَةِ الْمُعْتَرَكِ ، الْوَعِرَةِ الْمَسْلَكِ الَّتِي يَتَجَاذَبُ أَعِنَّةَ أَدِلَّتِهَا الْفُرْسَانُ ، وَتَتَضَاءَلُ لَدَى صَوْلَتِهَا شَجَاعَةُ الشُّجْعَانِ ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى مَأْخَذِهَا وَأَدِلَّتِهَا لِيَعْلَمَ الْغِرُّ الَّذِي بِضَاعَتُهُ مِنَ الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ ، أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَرَاءَ مَا عِنْدَهُ ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ قَصُرَ فِي الْعِلْمِ بَاعُهُ ، فَضَعُفَ خَلْفَ الدَّلِيلِ ، وَتَقَاصَرَ عَنْ جَنْيِ ثِمَارِهِ ذِرَاعُهُ ، فَلْيَعْذُرْ مَنْ شَمَّرَ عَنْ سَاقِ عَزْمِهِ ، وَحَامَ حَوْلَ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْكِيمِهَا ، وَالتَّحَاكُمِ إِلَيْهَا بِكُلِّ هِمَّةٍ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَاذِرٍ لِمُنَازِعِهِ فِي قُصُورِهِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ الْبَعِيدِ ، فَلْيَعْذُرْ مُنَازِعَهُ فِي رَغْبَتِهِ عَمَّا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَحْضِ التَّقْلِيدِ ، وَلْيَنْظُرْ مَعَ نَفْسِهِ أَيُّهُمَا هُوَ الْمَعْذُورُ ، وَأَيُّ السَّعْيَيْنِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ السَّعْيَ الْمَشْكُورَ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ ، وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ، الْفَاتِحُ لِمَنْ أَمَّ بَابَهُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِهِ مِنَ الْخَيْرِ كُلَّ بَابٍ .