الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني : إنا وإن سلمنا ذلك ، فإن هذا يدل على أن الطهر لا يسمى قرءا حتى يحتوشه دمان ، وكذلك نقول : فالدم شرط في تسميته قرءا ، وهذا لا يدل على أن مسماه الحيض ، وهذا كالكأس الذي لا يقال على الإناء إلا بشرط كون الشراب فيه ، وإلا فهو زجاجة أو قدح ، والمائدة التي لا تقال للخوان إلا إذا كان عليه طعام ، وإلا فهو خوان ، والكوز الذي لا يقال لمسماه : إلا إذا كان ذا عروة ، وإلا فهو كوب ، والقلم الذي يشترط في صحة إطلاقه على القصبة كونها مبرية ، وبدون البري ، فهو أنبوب أو قصبة ، والخاتم شرط إطلاقه أن يكون ذا فص منه أو من [ ص: 553 ] غيره ، وإلا فهو فتخة ، والفرو شرط إطلاقه على مسماه الصوف ، وإلا فهو جلد .

والريطة شرط إطلاقها على مسماها أن تكون قطعة واحدة ، فإن كانت ملفقة من قطعتين ، فهي ملاءة ، والحلة شرط إطلاقها أن تكون ثوبين ، إزارا ورداء ، وإلا فهو ثوب ، والأريكة لا تقال على السرير إلا إذا كان عليه حجلة ، وهي التي تسمى بشخانة وخركاه ، وإلا فهو سرير ، واللطيمة لا تقال للجمال إلا إذا كان فيها طيب ، وإلا فهي عير ، والنفق لا يقال إلا لما له منفذ ، وإلا فهو سرب ، والعهن لا يقال للصوف إلا إذا كان مصبوغا ، وإلا فهو صوف ، والخدر لا يقال إلا لما اشتمل على المرأة ، وإلا فهو ستر .

والمحجن لا يقال للعصا إلا إذا كان محنية الرأس ، وإلا فهي عصا . والركية لا تقال على البئر إلا بشرط كون الماء فيها ، وإلا فهي بئر . والوقود لا يقال للحطب إلا إذا كانت النار فيه ، وإلا فهو حطب ، ولا يقال للتراب ثرى إلا بشرط نداوته ، وإلا فهو تراب . ولا يقال للرسالة : مغلغلة ، إلا إذا حملت من بلد إلى بلد ، وإلا فهي رسالة ، ولا يقال للأرض قراح إلا إذا هيئت للزراعة ، ولا يقال لهروب العبد : إباق إلا إذا كان هروبه من غير خوف ولا جوع ولا جهد ، وإلا فهو هروب ، والريق لا يقال له رضاب إلا إذا كان في الفم ، فإذا فارقه فهو بصاق وبساق ، والشجاع لا يقال له : كمي إلا إذا كان شاكي السلاح ، وإلا فهو بطل ، وفي تسميته بطلا قولان أحدهما : لأنه تبطل شجاعته قرنه وضربه وطعنه ، والثاني : لأنه تبطل شجاعة الشجعان عنده ، فعلى الأول ، فهو فعل بمعنى فاعل ، وعلى الثاني ، فعل بمعنى مفعول ، وهو قياس اللغة .

والبعير لا يقال له : راوية إلا بشرط حمله للماء ، والطبق لا يسمى مهدى إلا أن يكون عليه هدية ، والمرأة لا تسمى ظعينة إلا بشرط كونها في الهودج ، هذا في الأصل ، وإلا فقد تسمى المرأة ظعينة ، وإن لم تكن في هودج ، ومنه في الحديث : فمرت ظعن يجرين والدلو لا يقال له : سجل إلا ما دام فيه ماء ، ولا يقال لها : ذنوب ، إلا [ ص: 554 ] إذا امتلأت به ، والسرير لا يقال له : نعش إلا إذا كان عليه ميت ، والعظم لا يقال له : عرق ، إلا إذا اشتمل عليه لحم ، والخيط لا يسمى سمطا إلا إذا كان فيه خرز .

ولا يقال للحبل : قرن إلا إذا قرن فيه اثنان فصاعدا ، والقوم لا يسمون رفقة إلا إذا انضموا في مجلس واحد ، وسير واحد ، فإذا تفرقوا زال هذا الاسم ، ولم يزل عنهم اسم الرفيق ، والحجارة لا تسمى رضفا إلا إذا حميت بالشمس أو بالنار ، والشمس لا يقال لها : غزالة إلا عند ارتفاع النهار ، والثوب لا يسمى مطرفا إلا إذا كان في طرفيه علمان ، والمجلس لا يقال له : النادي إلا إذا كان أهله فيه .

والمرأة لا يقال لها : عاتق إلا إذا كانت في بيت أبويها ، ولا يسمى الماء الملح أجاجا ، إلا إذا كان مع ملوحته مرا ، ولا يقال للسير : إهطاع إلا إذا كان معه خوف ، ولا يقال للفرس : محجل ، إلا إذا كان البياض في قوائمها كلها ، أو أكثرها ، وهذا باب طويل لو تقصيناه ، فكذلك لا يقال للطهر : قرء ، إلا إذا كان قبله دم ، وبعده دم ، فأين في هذا ما يدل على أنه حيض ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية