الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ]

( فصل ) في بيان من تصرف له الزكاة وما يتعلق بذلك ( ومصرفها ) أي محل صرفها أي الذي تصرف إليه ( فقير ) لا يملك قوت عامه ( ومسكين ، وهو أحوج ) من الفقير لكونه الذي لا يملك شيئا بالكلية ( وصدقا ) في دعواهما الفقر والمسكنة ( إلا لريبة ) تكذبهما بأن يكون ظاهرهما يخالف دعواهما فلا يصدقان إلا ببينة ( إن أسلم ) كل منهما فلا تعطى لكافر ولا تجزئ كأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها وإلا جاز الإعطاء لهم ( وتحرر ) فلا تعطى لمن فيه شائبة رقية ( وعدم ) كل منهما ( كفاية بقليل ) الباء للتعدية متعلقة ب " كفاية " ، وهو صادق بأن لا يكون عنده قليل أصلا ، وهو المسكين أو يكون عنده قليل لا يكفيه عامه ، وهو الفقير فإن كان عنده قليل لا يكفيه عامه فلا يعطى ولا تجزئ ولو حذف هذا ما ضر ( أو ) عدم كفاية ب ( إنفاق ) عليه من نحو والد أو بيت المال بأن كان له فيه مرتب لا يكفيه من أكل وكسوة فمن لزمت نفقته مليئا لا يعطى منها ( أو صنعة ) عطف على قليل [ ص: 493 ] أي عدم كفاية بصنعة أي كسب فيعطى تمام كفايته وصدق إن ادعى كسادها ( وعدم بنوة لهاشم ) ثاني أجداده صلى الله عليه وسلم فهو أبو عبد المطلب ( لا المطلب ) أخو هاشم وهما شقيقان وأمهما من بني مخزوم وهما ولدا عبد مناف ، وأما عبد شمس ونوفل فالصحيح أنهما ليسا ولدي عبد مناف وإنما هما ابنا زوجته وأمهما من بني عدي وكانا تحت كفالته فنسبا إليه ففرعهما ليس بآل قطعا وفرع هاشم آل قطعا وفرع المطلب ليس بآل على المشهور ، وأما نفس هاشم والمطلب فليس بآل كما هو ظاهر والمراد ببنوة هاشم كل من لهاشم عليه ولادة من ذكر أو أنثى بلا واسطة أو بواسطة غير أنثى فلا يدخل في بني هاشم ولد بناته وشبه في عدم الإجزاء المستفاد من مفهوم الشرط قوله ( كحسب ) أي كما لا يجزئ أن يحسب دينه الكائن ( على ) مدين ( عديم ) [ ص: 494 ] ليس عنده ما يجعله في الدين بأن يقول له أسقطت ما عليك في زكاتي ; لأنه هالك لا قيمة له أو له قيمة دون وقال أشهب يجزئ وعلى المشهور فالظاهر عدم سقوط الدين عن المدين ; لأنه معلق على شيء لم يحصل ، وأما من عنده ما يجعله في دينه أو بيد رب الدين رهنا فيجوز حبسه عليه ; لأن دينه ليس بهالك ( وجاز ) إعطاؤها ( لمولاهم ) أي لعتيق بني هاشم ولذا جمع الضمير

التالي السابق


( فصل ومصرفها فقير ومسكين ) ( قوله لا يملك قوت عامه ) الأولى أن يقول هو من يملك شيئا لا يكفيه قوت عامه وإلا فكلامه يقتضي أن الفقير أعم من المسكين تأمل ( قوله ، وهو أحوج إلخ ) أفهم كلامه أن الفقير والمسكين صنفان متغايران خلافا لمن قال إنهما صنف واحد ، وهو من لا يملك قوت عامه سواء كان لا يملك شيئا أو يملك دون قوت العام وتظهر ثمرة الخلاف إذا أوصي بشيء للفقراء دون المساكين أو العكس فهي صحيحة على الأول دون الثاني ( قوله وصدقا في دعواهما إلخ ) أي بغير يمين كما هو ظاهره ( قوله فلا يصدقان إلا ببينة ) انظر هل يكفي فيها الشاهد مع اليمين ولا بد من شاهدين كما ذكروه في دعوى المدين العدم ودعوى الولد العدم لأجل أن لا تلزمه نفقة والديه وعلى أنه لا بد من شاهدين فهل يحلف معهما كما في المسألتين المذكورتين أو لا يحلف كما في مسألة دعوى الوالد العدم لأجل أن ينفق عليه ولده ( قوله إن أسلم وتحرر ) في تعبيره بالفعل إشارة إلى كفايتهما ولو حدثا بعد وجوب الزكاة كذا ذكره شيخنا قال بن وكان الأولى أن يؤخر الحرية والإسلام وعدم بنوة هاشم عن الأصناف الثمانية كما فعله ابن الحاجب وابن شاس ; لأنها لا تختص بالفقير والمسكين بل الإسلام شرط فيما عدا المؤلف والحرية شرط في غير الرقاب وعدم بنوة هاشم شرط في الجميع انظر طفى ا هـ كلامه ( قوله فلا تعطى لكافر ) أي ما لم يكن جاسوسا أو مؤلفا ( قوله كأهل المعاصي ) أي كما أنه لا يجزئ دفعها لأهل المعاصي إن ظن إلخ ( قوله فلا تعطى لمن فيه شائبة رقية ) أي ; لأن العبد غني بسيده كالزوجة بزوجها والولد بوالده ولا يرد المكاتب فإن نفقته على نفسه لا على سيده ; لأن نفقته كأنها اشترطت عليه بكتابته فهي في الحقيقة على سيده ; لأنه ما كاتبه بثلاثين مثلا إلا لكونه ينفق على نفسه ولولا ذلك لكاتبه كأربعين فالعشرة قد أسقطها السيد عنه في مقابلة النفقة ( قوله وعدم كفاية بقليل ) أي وكانت كفاية كل منهما بالقليل من المال معدومة ومنفية ( قوله ولو حذف هذا ما ضر ) أي بل الأولى حذفه ; لأن اشتراطه من قبيل اشتراط الشيء في نفسه ( قوله أو إنفاق ) عطف على قليل كما أشار له الشارح ، وهو صادق على قليل كما أشار له الشارح وهو صادق بصورتين ; لأن المعنى ولم يكن له منفق ينفق نفقة كافية بأن لا يكون له منفق أصلا وله منفق ينفق عليه مالا يكفيه ففي الأولى يعطى تمام ما يكفيه ( قوله فمن لزمت نفقته مليئا ) أي أو كان له مرتب في بيت المال يكفيه لا يعطى منها وظاهره [ ص: 493 ] ولو كان ذلك المنفق لم يجز النفقة عليه بالفعل ، وهو كذلك ; لأنه قادر على أخذها منه بالحكم وقيد باللزوم ولم يقل فمن كانت نفقته على مليء لا يعطى منها تبعا للتوضيح وغيره ، وهو صحيح فمن كان له منفق مليء ينفق عليه تطوعا فله أخذها كما ذكره ح في التنبيه الأول وذلك ; لأن للمنفق المذكور قطع النفقة ولا فرق بين كون ذلك المنفق المتطوع قريبا أو أجنبيا ابن عرفة روى الشيخ لا يعطيها لمن يأكل في عياله غير لازمة نفقته له قريبا أو أجنبيا فإن فعله جهلا أساء وأجزأته إن بقي في نفقته ابن حبيب إن تطوع بذلك لم تجزه ونقله الباجي في القريب فقط ولم يقيد إجزاء إعطائه بجهله ا هـ .

والحاصل أن من كانت نفقته لازمة لمليء لا يعطى اتفاقا ، وإن تطوع بها مليء ففيها أربعة أقوال قيل يجوز له أخذها وتجزئ ربها مطلقا ، وهو الذي في ح ، وهو المعتمد وقيل لا تجزئ مطلقا ، وهو لابن حبيب وقيل لا تجزئ إن كان المنفق قريبا وتجزئ إن كان أجنبيا ، وهو ما نقله الباجي وقيل إنها تجزئ مطلقا مع الحرمة ، وهو ما رواه ابن أبي زيد .

( فائدة ) نقل المواق عن ابن الفخار أنه لا يعطى من الزكاة شيء في شوار يتيمة وفي ح عن البرزلي عن بعض شيوخه الجواز ومثله في المعيار عن ابن عرفة أنه سئل عن ذلك فأجاب بأن اليتيمة تعطى من الزكاة ما يصلحها من ضروريات النكاح والأمر الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور ا هـ بن .

( قوله أي عدم كفاية بصنعة ) أي ، وأما لو كان له صنعة يتعاطاها تكفيه وعياله وكانت غير كاسدة ، فإنه لا يعطى شيئا منها ( قوله إلا المطلب ) أي لا يشترط في أخذ الزكاة عدم بنوة المطلب فيجوز إعطاؤها لمن للمطلب عليه ولادة ( قوله أخو هاشم ) أي الذي هو أبو عبد المطلب فعبد المطلب بن أخي المطلب وكان عبد المطلب اسمه شيبة الحمد وكان في لونه سمرة ومات أبوه هاشم ، وهو صغير فكفله عمه المطلب وكان يردفه خلفه فظن لسمرة لونه أنه عبده فقيل فيه عبد المطلب ( قوله فالصحيح أنهما ليسا ولدي عبد مناف وإنما هما ابنا زوجته إلخ ) هذا الذي قاله الشارح يدل على أن بين هاشم والمطلب ائتلافا وقد سرى ذلك في أولادهما من بعدهما وكذا عبد شمس ونوفل ; ولهذا لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم يدخل بنو نوفل ولا بنو عبد شمس معهم وهذا يشهد للقول الضعيف بأن بني المطلب آل وبه قال الإمام الشافعي وقوله فالصحيح إلخ مقابله أن الأربعة هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل أولاد عبد نوفل وأن الأولين شقيقان أمهما من بني مخزوم والأخيرين شقيقان أمهما من بني عدي والذي في صحيح البخاري في كتاب فرض الخمس أن عبد شمس شقيق لهاشم والمطلب ونصه قال ابن إسحاق عبد شمس والمطلب وهاشم إخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل أخاهم لأبيهم وقال الكلاعي : ولد عبد مناف أربعة هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل وكلهم لعاتكة بنت مرة ابن هلال السلمية إلا نوفلا منهم فإنه لواقدة بنت عمر ومن بني مازن بن صعصعة . ( قوله ليس بآل قطعا ) أي وحينئذ فيعطون من الزكاة ولعله أراد نفي خلاف معتبر وإلا ففي البدر القرافي وغيره الخلاف في ذلك .

( قوله آل قطعا ) أي وحينئذ فلا يعطون من الزكاة ( قوله ليس بآل على المشهور ) أي وحينئذ فيعطون من الزكاة ومقابل المشهور أنهم آل فلا يعطون منها ومن جملة فرع المطلب الإمام الشافعي رضي الله عنه ( قوله فلا يدخل في بني هاشم ولد بناته ) أي ; لأنهم أولاد الغير وحينئذ فيعطون من الزكاة واعلم أن محل عدم إعطاء بني هاشم منها إذا أعطوا ما يستحقونه من بيت المال فإن لم يعطوا وأضر بهم الفقر أعطوا منها وإعطاؤهم حينئذ أفضل من إعطاء غيرهم وقيده الباجي بما إذا وصلوا لحالة يباح لهم فيها أكل الميتة لا مجرد ضرر والظاهر خلافه وأنهم يعطون عند الاحتياج ولو لم يصلوا لحالة إباحة أكل الميتة إذ عطاؤهم أفضل من خدمتهم لذمي أو ظالم ا هـ تقرير شيخنا عدوي وهذا كله في الصدقة الواجبة كما [ ص: 494 ] هو الموضوع ، وأما صدقة التطوع فيجوز لهم أخذها مع الكراهة على المعتمد وما يأتي في الخصائص من حرمتها عليهم أيضا فهو ضعيف وإن شهره ابن عبد السلام ( قوله ليس عنده ما يجعله في الدين ) هذا تفسير مراد للعديم وقوله بأن يقول إلخ تصوير لحسابها على المدين وقوله أو له قيمة دون أي قليلة جدا فهي كالعدم ( قوله وقال أشهب : يجزئ ) قال ح متى علم من حال من تجب عليه الزكاة أنه إن لم يحسب ما على العديم من زكاته لم يزك فإنه ينبغي العمل بما قاله أشهب ; لأن إخراج الزكاة على قول أحسن من لزومها له على كل قول ( قوله فيجوز حسبه عليه ) هذا هو الذي يفهم من المدونة واعترضه أبو الحسن بأن الدين في هذه الحالة ، وإن لم يكن ثاويا أي هالكا لكن قيمته دون فلا يجوز حسبه وسلمه ح قال وعليه فلا مفهوم لقوله عديم ا هـ بن فتحصل أن في حسب ما على المدين المليء من الزكاة قولين بالإجزاء وعدمه وكل منهما قد رجح ( قوله وجاز إعطاؤها لمولاهم ) أي عند ابن القاسم ، وهو المعتمد ومنع منه أصبغ والأخوان




الخدمات العلمية