الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وأومأ ) بالهمز ( عاجز ) عن كل أفعال الصلاة ( إلا عن القيام ) فقادر عليه فيومئ من قيامه لركوعه وسجوده ويكون الإيماء له أخفض من الإيماء للركوع ( و ) إن قدر عليه ( مع الجلوس ) [ ص: 259 ] وأما للركوع من قيام و ( أومأ للسجود منه ) أي من الجلوس ( وهل يجب ) على العاجز عن الركوع والسجود والمومئ لهما ( فيه ) أي في الإيماء لهما ( الوسع ) أي انتهاء الطاقة في الانحطاط حتى لو قصر عنه بطلت فلا يضر على هذا التأويل مساواة الركوع للسجود وعدم تميز أحدهما عن الآخر أو لا يجب فيه الوسع بل يجزئ ما يكون إيماء مع القدرة على أزيد منه ولا بد على هذا من تميز أحدهما عن الآخر والسجود على الأنف خارج عن حقيقة الإيماء فلا يدخل في قوله وهل يجب فيه الوسع ويدل له قوله ( و ) هل ( يجزئ ) من فرضه الإيماء كمن بجبهته قروح لا يستطيع السجود عليها ( إن سجد على أنفه ) وخالف فرضه وهو الإيماء لأن الإيماء ليس له حد ينتهي إليه أو لا يجزئ لأنه لم يأت بالأصل ولا ببدله ( تأويلان ) في كل من المسألتين ( وهل ) المومئ للسجود من قيام أو من جلوس ولم يقدر على وضع يديه على الأرض ( يومئ ) مع إيمائه بظهره أو رأسه ( بيديه ) أيضا إلى الأرض ( أو ) إن كان يومئ له من جلوس ( يضعهما على الأرض ) بالفعل إن قدر ، ولو عبر بالواو [ ص: 260 ] لكان أظهر فهذا تأويل واحد والثاني محذوف تقديره أو لا يومئ بهما إن كان إيماؤه من قيام كجلوس لم يقدر معه ولا يضعهما على الأرض إن كان عن جلوس بل يضعهما على ركبتيه حيث قدر ( وهو ) أي التأويل المذكور للمصنف بحالتيه ( المختار ) عند اللخمي دون ما حذفه بحالتيه ثم استشهد لاختيار اللخمي بما هو متفق عليه بقوله ( كحسر عمامته ) أي رفعها عن جبهته حين إيمائه فيجب عليه حسرها ( بسجود ) تنازعه يومئ ويضع وحسر وقوله ( تأويلان ) راجع لما قبل التشبيه ( وإن قدر ) المصلي ( على الكل ) أي جميع الأركان ( و ) لكل ( إن سجد ) أي أتى بالسجود ( لا ينهض ) أي لا يقدر على القيام ( أتم ركعة ) بسجدتيها وهي الأولى ( ثم جلس ) أي استمر جالسا ليتم صلاته منه لأن السجود أعظم من القيام وقيل يصلي قائما إيماء إلا الأخيرة فيركع ويسجد فيها

التالي السابق


( قوله وأومأ عاجز إلا عن القيام ) أي استقلالا أو استنادا فقادر عليه وما حل به الشارح كلام المصنف هو المتعين وأما حل الشارح بهرام ففيه نظر لأنه قال يريد أن العاجز يباح له الإيماء في كل حال إلا عند العجز عن القيام فإنه لا يباح له ذلك ويصلي الصلاة جالسا بركوعها وسجودها ووجه النظر أن العاجز عن القيام فقط لا يتوهم فيه إيماء حتى يستثنيه وأيضا هذا المعنى الذي قاله وإن كان صحيحا من جهة الفقه إلا أنه لا يلتئم مع قول المتن بعد ومع الجلوس أومأ للسجود منه فتأمل .

( قوله فيومئ من قيامه لركوعه وسجوده ) أي وكذا [ ص: 259 ] بقية أفعال الصلاة وهل يشترط نية أن هذا الإيماء للركوع أو للسجود مثلا أو لا يشترط ذلك لأن نية الصلاة المعينة أولا كافية نظر فيه عج .

( قوله أومأ للسجود منه ) أي من جلوسه وجوبا فإن لم يفعل بطلت صلاته والمراد أنه يومئ للسجدتين معا من جلوس وهو الذي قاله اللخمي ويحتمل أن ضمير منه عائد على القيام أي أنه يومئ للسجدة الأولى من قيام لأنه لا يجلس قبلها وعزاه ابن بشير للأشياخ ا هـ بن .

( قوله حتى لو قصر عنه ) أي عن الوسع وقوله بطلت أي إن حصلت منه التقصير عمدا أو جهلا لا سهوا كما في حاشية شيخنا .

( قوله ويدل له قوله إلخ ) أي يدل له من حيث إفراده بالذكر فإن ذلك يقتضي أنه خارج عن حقيقة الإيماء وأنه ليس داخلا في قوله وهل يجب فيه الوسع وإلا لما ذكره بعد فالتأويلان اتفقا على أنه خارج عن حقيقة الإيماء لكن إذا وقع وسجد على أنفه هل يجزيه أو لا .

( قوله وهل يجزئ من فرضه الإيماء إلخ ) حاصله أن من بجبهته قروح تمنعه من السجود فلا يسجد على أنفه وإنما يومئ للأرض كما قال ابن القاسم في المدونة فإن وقع ونزل وسجد على أنفه وخالف فرضه وهو الإيماء فقال أشهب يجزئه واختلف المتأخرون في مقتضى قول ابن القاسم هل هو الإجزاء كما قال أشهب أو عدم الإجزاء فقال بعضهم وحكاه عن ابن القصار هو خلاف قول أشهب أي والمعتمد قول ابن القاسم وهذا التأويل جعله بعضهم هو المعتمد وقال بعض الأشياخ هو موافق لأشهب فقول ابن القاسم لا يسجد على أنفه أي يمنع ذلك ولو وقع صحت صلاته لأن الإيماء لا يختص بحد ينتهى إليه ولو قارب المومئ الأرض أجزأه اتفاقا فزيادة إمساس الأرض بالأنف لا يؤثر وإلى الخلاف أشار المصنف بالتأويلين والظاهر أن ابن القاسم يوافق أشهب على الإجزاء إذا نوى الإيماء بالجبهة لا السجود على الأنف حقيقة فقول المصنف وهل يجزئ أي بناء على أن مقتضى قول ابن القاسم في المدونة : لا يسجد على أنفه وإنما يومئ بالسجود للأرض ; وفاق لقول أشهب يجزئه وقوله " أو لا يجزئه " أي بناء على أنه مخالف لقول أشهب وكلام أشهب مطروح .

( قوله لأن الإيماء ليس له حد ) تعليل الإجزاء وهو يقتضي أن السجود على الأنف من مصدوقات الإيماء وقوله وخالف فرضه وهو الإيماء ويقتضي أنه ليس من إفراد الإيماء فلو قال الشارح وهل يجزئ إن سجد على أنفه لأنه إيماء وزيادة ولا يجزئ لأنه لم يأت بالأصل ولا ببدله وهو الإيماء لأنه الإشارة بالظهر والرأس للأرض فقط كان أولى .

( قوله في كل من المسألتين ) ذكر بن أن الذي في المسألة الأولى قولان للخمي لا تأويلان على المدونة فالقول الأول أخذه من رواية ابن شعبان من رفع ما يسجد عليه إذا أومأ جهده صحت وإلا فسدت والقول الثاني أخذه من قولها يومئ القائم للسجود أخفض من إيمائه للركوع وحينئذ فالأولى للمصنف أن يعبر في جانب المسألة الأولى بتردد ( قوله وهل يومئ بيديه إلخ ) حاصله أن عندنا مسألتين في كل منهما قولان الأولى من قدر على القيام وعجز عن الانحطاط للسجود وأومأ له أي للسجود من قيام أو قدر على الجلوس وعجز عن السجود وأومأ له من جلوس ولم يقدر على وضع يديه بالأرض هل يومئ بيديه للأرض مع إيمائه بظهره ورأسه أو لا يومئ بهما بل يرسلهما إلى جنبيه قولان فعلى الأول لليدين مدخل مع الظهر والرأس في الإيماء للسجود ولا مدخل لهما على الثاني المسألة الثانية ما إذا كان له قدرة على الجلوس وعجز عن السجود وأومأ له من الجلوس وكان يقدر على وضع يديه بالأرض هل يضع يديه على الأرض بالفعل حين الإيماء له مع إيمائه له بظهره ورأسه أو لا يضعهما على الأرض بل على ركبتيه قولان فعلى الأول لليدين مدخل مع الظهر والرأس في الإيماء للسجود ولا مدخل لهما فيه على الثاني إذا علمت هذا فقول المصنف وهل يومئ بيديه أي إلى الأرض إشارة للتأويل الأول في المسألة الأولى وقوله أو يضعهما على الأرض أو بمعنى الواو أي ويضعهما على الأرض بالفعل إشارة للتأويل الأول في المسألة [ ص: 260 ] الثانية والتأويل الثاني في المسألتين مطوي في كلام المصنف .

( قوله لكان أظهر ) أي وإن كانت أو بمعنى الواو .

( قوله فهذا تأويل واحد ) فيه أن ما ذكره فردا تأويلان ذكر من كل تأويل طرفا إلا أن يقال لما كان محصل ما ذكره في المسألتين أنه يلزمه أن يفعل بيديه شيئا ومحصل المطوي أنه لا يلزمه أن يفعل بيديه شيئا صح ما قاله الشارح من أن ما قاله المصنف تأويل واحد ( قوله بل يضعهما على ركبتيه ) أي لأن وضعهما على الأرض حالة السجود تابع لوضع الجبهة عليها وهو لم يسجد على جبهته .

( تنبيه ) اختلف في حكم الإيماء باليدين للأرض في المسألة الأولى على القول به وكذا في حكم وضعهما على الأرض بالفعل في المسألة الثانية على القول به فقيل هو الوجوب وإن كان الأصل السنية وقيل هو الندب وفي حاشية شيخنا السيد البليدي على عبق أن من عبر بالوجوب ماش على أن السجود على اليدين واجب وهو خلاف ما سبق للمصنف .

( قوله وهو المختار ) قال بن حقه التعبير بالفعل لأنه من عند نفس اللخمي .

( قوله دون ما حذفه ) أي فإنه ليس مختارا للخمي وهو قول أبي عمران مع بعض القرويين .

( قوله بحالتيه ) أي ما إذا أومأ للسجود من قيام أو جلوس .

( قوله فيجب عليه حسرها ) أي اتفاقا لأنه لو لم يحسرها لكان مومئا بها لا بجبهته .

( قوله فيجب عليه حسرها ) أي فإن ترك ذلك بطلت ما لم يكن الذي على جبهته من العمامة شيئا خفيفا .

( قوله تأويلان ) حقه تردد لأن الواقع أن القولين للمتأخرين فيمن كان يصلي جالسا هل يضع يديه على الأرض إن قدر ويومئ بهما إن لم يقدر وهو قول اللخمي أو لا يفعل بهما شيئا وهو قول أبي عمران وليس هنا خلاف متعلق بفهم المدونة حتى يعبر بتأويلان انظر بن وقد أشار خش في كبيره لهذا البحث والذي قبله وإذا تأملت ما قاله الشارح تعلم أن الخلاف المذكور محله مسألة الإيماء للسجود وأما مسألة الإيماء للركوع فقد ترك المصنف الكلام عليها وحاصل الكلام عليها أنه إن أومأ للركوع في حالة قيامه فإنه يومئ بيديه لركبتيه من غير خلاف وإن أومأ له من جلوس وضعهما على ركبتيه من غير خلاف وهل ذلك واجب أو مندوب قاله عج وفي كلام الشارح بهرام إشارة للوجوب .

( قوله ولكن إن سجد ) أي ولكن إن جلس وسجد لا ينهض .

( قوله أتم ركعة ثم جلس ) أي مبادرة للمقدور عليه وهذا قول اللخمي وابن يونس والتونسي .

( قوله ليتم صلاته منه ) أي ليتم صلاته بالركوع والسجود من جلوس .

( قوله وقيل يصلي قائما إيماء ) أي للسجود وأما الركوع فإنه يفعله ويلزم على القول الأول الإخلال بقيام ثلاث ركعات ويلزم على الثاني الإخلال بسجود ثلاث ركعات




الخدمات العلمية