الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 310 ] ( و ) كره ( تعمدها ) أي السجدة أي قراءة آيتها ( بفريضة ) ولو صبح جمعة ( أو خطبة ) لإخلاله بنظامها ( لا ) تعمدها في ( نفل ) فلا يكره ( مطلقا ) في سر أو جهرا أمن التخليط على من خلفه أم لا سفرا أو حضرا ( وإن ) ( قرأها في فرض ) ( سجد ) ولو بوقت نهي لأنها تابعة حينئذ للفرض ( لا ) إن قرأها في ( خطبة ) فلا يسجد أي يكره ( وجهر ) ندبا ( إمام ) الصلاة ( السرية ) بقراءته السجدة ليعلم الناس سبب سجوده فيتبعوه ( وإلا ) يجهر بها وسجد ( اتبع ) في سجوده لأن الأصل عدم السهو فإن لم يتبع صحت صلاتهم ( ومجاوزها ) في القراءة ( بيسير ) كآية أو آيتين ( يسجد ) مكانه من غير إعادة قراءتها في صلاة أو غيرها لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه ( و ) مجاوزها ( بكثير يعيدها ) أي يعيد قراءتها ويسجدها في محلها في صلاة أو غيرها لكن إن كان بصلاة أعادها ( بالفرض و ) أولى النفل ما ( لم ينحن ) للركوع فإن انحنى فات فعلها في هذه الركعة ولا يعود لقراءتها في ثانية الفرض لأنه كابتداء قراءتها فيه وهو مكروه ( و ) يعود لقراءتها ندبا ( بالنفل في ثانيته ) ليسجدها ( ففي فعلها قبل ) قراءة ( الفاتحة ) [ ص: 311 ] أو بعدها ( قولان وإن قصدها ) أي السجدة بأن انحط بنيتها فلما وصل لحد الركوع نسيها ( فركع ) أي فقصد الركوع ( سهوا ) عنها ( اعتد به ) أي بهذا الركوع عند مالك بناء على أن الحركة للركن لا يشترط قصدها فيرجع له وقد فاتته السجدة ثم إن كان في أولى نفل أعادها في ثانيته ( ولا سهو ) أي لا سجود سهو عليه لنقص الحركة ولا زيادة معه وقال ابن القاسم لا يعتد به ويخر ساجدا فإن رفع ساهيا لم يعتد به أيضا ويخر ساجدا ويسجد إن اطمأن كما يأتي ( بخلاف تكريرها ) أي السجدة بأن يسجد معها أخرى سهوا فإنه يسجد بعد السلام ( أو ) بخلاف ( سجود ) لها ( قبلها ) أي قبل قراءة محلها يظنها السجدة ( سهوا ) سواء قرأها وسجد لها ثانيا أم لا فإنه يسجد للزيادة بعد السلام فقوله سهوا قيد في المسألتين فلو تعمد بطلت فيهما ( قال ) المازري من عند نفسه ( وأصل المذهب ) أي قاعدته ( تكريرها ) أي السجدة ( إن كرر حزبا ) فيه سجدة أو سجدات ولو في وقت واحد ولا يقتصر على الأولى ( إلا المعلم والمتعلم ) إذا كرر أحدهما والثاني يسمع ( فأول مرة ) فقط عند مالك وابن القاسم واختاره المازري فلم يكن قوله إلا المعلم إلخ مقولا من عند نفسه فكان على المصنف أن يزيد بعد قوله فأول مرة على القول ( وندب لساجد الأعراف ) مثلا ( قراءة ) بعد قيامه منها من [ ص: 312 ] الأنفال أو غيرها ( قبل ركوعه ) ليقع الركوع عقب قراءة ( ولا يكفي عنها ) أي عن سجدة التلاوة أي بدلها ( ركوع ) أي لا يجعل الركوع عوضا عنها لأنه إن قصد به الركوع للصلاة فلم يسجدها وإن قصد به السجود فقد أحالها عن صفتها وذلك غير جائز لأنه تغيير للموضوع الشرعي ( وإن تركها ) عمدا ( وقصده ) أي الركوع بانحطاط ( صح ) ركوعه ( وكره ) له ذلك ( و ) إن تركها ( سهوا ) عنها وركع فذكرها وهو راكع ( اعتد به ) أي بركوعه ( عند مالك ) من رواية أشهب ( لا ) عند ( ابن القاسم ) فيخر ساجدا ثم يقوم فيبتدئ الركعة ويقرأ شيئا ويركع وحينئذ ( فيسجد ) بعد السلام ( إن اطمأن به ) أي بركوعه الذي تذكر فيه أنه تركها لزيادة الركوع وأولى لو رفع منه ساهيا وليست هذه مكررة مع قوله وإن قصدها فركع سهوا إلخ لأنه في تلك قصد السجود فلما وصل لحد الركوع نسيه فركع وفي هذه لم يقصد السجود بل قصد الركوع ساهيا عن السجود فلما ركع تذكره والحكم فيهما واحد كذا قرره والحق التكرار لأنه إن قصد الركوع ساهيا عن السجدة فقد وجد قصد الحركة للركن فيتفق مالك وابن القاسم على الصحة كما ذكره الطخيخي وهو الحق فغيره لا يعول عليه

التالي السابق


. ( قوله وتعمدها بفريضة ) أي ولو لم يكن على وجه المداومة كما لو اتفق له ذلك مرة وإنما كره تعمدها بالفريضة لأنه إن لم يسجدها دخل في الوعيد أي اللوم المشار له بقوله تعالى { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } وإن سجد زاد في عدد سجودها كذا قيل وفيه أن تلك العلة موجودة في النافلة ويمكن أن يقال إن السجود لما كان نافلة والصلاة نافلة صار كأنه ليس زائدا بخلاف الفرض إن قلت إن مقتضى الزيادة في الفرض البطلان قلت إن الشارع لما طلبها من كل قارئ صارت كأنها ليست زائدة محضة ا هـ عدوي .

( قوله ولو صبح جمعة ) أي خلافا لمن قال بندبها فيه لفعله عليه الصلاة والسلام لأن عمل أهل المدينة على خلافه فدل على نسخه واعلم أن كراهة تعمد قراءة آيتها في الفريضة بالنسبة للفذ والإمام وأما المأموم فلا يكره تعمده لقراءتها وإن كان لا يسجد وليس من تعمدها بفريضة صلاة مالكي خلف شافعي يقرؤها بصبح جمعة ولو كان غير راتب وحينئذ فلا يكون اقتداؤه به مكروها قاله عبق .

( قوله أو خطبة ) أي سواء كانت خطبة جمعة أو خطبة غيرها ا هـ عدوي .

( قوله لإخلاله بنظامها ) أي إن سجد وإن لم يسجد دخل في الوعيد ( قوله مطلقا ) أي فذا أو إماما أو مأموما في سفر أو حضر كانت القراءة في ذلك النفل سرا أو جهرا أمن الإمام من التخليط على من خلفه أم لا .

( قوله وإن قرأها في فرض ) أي وإن اقتحم النهي وقرأها عمدا أو قرأها غير متعمد وقوله سجد وهل سجوده سنة أو فضيلة خلاف وهذا إذا كان الفرض غير جنازة وإلا فلا يسجد فيها فإن فعل فالظاهر أنه يجري فيها ما يأتي في سجوده في الخطبة ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله أي يكره ) فإن وقع وسجد فهل تبطل الخطبة لزوال نظامها أم لا واستظهره الشيخ كريم الدين البرموني ( قوله الصلاة السرية ) أي سواء كانت فرضا أو نفلا .

( قوله بقراءته السجدة ) متعلق بجهر أي جهر الإمام بقراءته الآية المتعلقة بالسجدة في الصلاة السرية فرضا كانت أو نفلا وليس المراد أنه يجهر بالقراءة كلها كذا قرر شيخنا العدوي .

( قوله اتبع في سجوده ) أي وجوبا كما في كبير خش وهو قول ابن القاسم وقال سحنون يمتنع اتباعه لاحتمال سهوه .

( قوله فإن لم يتبع صحت صلاتهم ) أي لأن اتباعه فيها واجب غير شرط لأنها ليست من الأفعال المقتدى به فيها أصالة وترك الواجب الذي ليس بشرط لا يوجب البطلان .

( قوله كآية وآيتين ) أي لا أكثر فالكاف استقصائية كما قاله شيخنا ( قوله من غير إعادة قراءتها ) أي من غير إعادة الآية التي فيها السجدة .

( قوله أي يعيد قراءتها ) أي قراءة الآية التي فيها السجدة ثم بعد أن يسجد يعود إلى حيث انتهى في القراءة .

( قوله بالفرض ) متعلق بعامل مقدر مماثل للمذكور أي يعيدها بالفرض والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال مقدر تقديره وماذا يفعل إذا جاوزها بكثير في الفرض والنفل وإنما لم يجعل متعلقا بيعيدها المذكور لاستلزام ذلك عدم الإعادة في مسألة مجاوزتها بكثير في غير الصلاة ( قوله ولا يعود لقراءتها في ثانية الفرض ) أي يكره فإن أعادها في ثانيته من غير قراءة لم تبطل على الظاهر لتقدم سببها ويحتمل البطلان لانقطاع السبب بالانحناء .

( قوله ويعود لقراءتها ) أي لقراءة آيتها بالنفل في ثانيته فإن لم يذكرها حتى عقد الثانية فاتت ولا شيء عليه .

( قوله ففي فعلها قبل الفاتحة ) أي ففي إعادة آيتها وفعلها قبل [ ص: 311 ] الفاتحة بحيث يقوم منها فيقرأ الفاتحة وذلك لتقدم سببها وهذا هو الظاهر وعليه لو أخرها حتى قرأ الفاتحة فعلها بعدها بل وكذا بعد القراءة .

( قوله أو بعدها ) أي أو يعود لقراءة آيتها ويسجدها بعد قراءة أم القرآن بحيث يقوم منها لقراءة السورة لأنها غير واجبة والفاتحة واجبة فمشروعيتها بعد الفاتحة وعلى هذا لو قدمها على الفاتحة فالصلاة صحيحة وهل يكتفي بها أو يعيدها بعد الفاتحة الظاهر الأول كما قال شيخنا .

( قوله قولان ) الأول لأبي بكر بن عبد الرحمن والثاني لابن أبي زيد وكان الأنسب بقاعدته أن يعبر بتردد لتردد المتأخرين لعدم نص المتقدمين .

( قوله فقصد الركوع ) أي فتحول قصده إليه .

( قوله سهوا عنها ) أي حالة كونه ساهيا عن قصدها وصار الملاحظ له بقلبه إنما هو الركوع فإنه يعتد به سواء تذكرها قبل أن يطمئن في ذلك الركوع أو بعد طمأنينته ( قوله بناء على أن الحركة إلخ ) أي فهو مشهور مبني على ضعيف .

( قوله أعادها في ثانيته ) أي وإن كان في ثانيته فلا إعادة عليه .

( قوله وقال ابن القاسم لا يعتد به ) أي سواء تذكرها قبل أن يطمئن في ذلك الركوع أو بعد طمأنينته أو بعد رفعه منه ( قوله ويخر ساجدا ) أي للتلاوة ويرجع للركوع بعد ذلك سواء تذكرها قبل أن يطمئن في ذلك الركوع أو بعد طمأنينته فيه أو بعد رفعه منه إلا أنه يلزمه السجود بعد السلام في الحالتين الأخيرتين ولا سجود عليه في الحالة الأولى والحاصل أنه إذا تذكر وهو راكع فإن كان تذكره قبل أن يطمئن خر ساجدا للتلاوة ولا شيء عليه وأما إن تذكر بعد الطمأنينة أو بعد رفعه من الركوع ألغي ذلك الركوع وسجد للتلاوة وسجد بعد السلام للزيادة .

( قوله فإن رفع ساهيا ) أي ولم يتذكر السجدة إلا بعد رفعه .

( قوله ويخر ساجدا ) أي للتلاوة ويلزمه السجود البعدي لزيادة ذلك الركوع .

( قوله ويسجد ) أي للسهو بعد السلام .

( قوله تكريرها ) من إضافة المصدر لمفعوله أي بخلاف تكرير الشخص السجدة للتلاوة سهوا والحال أنه في صلاة فإنه يسجد بعد السلام وأما لو كررها عمدا أو جهلا فإن الصلاة تبطل .

( قوله أو بخلاف سجود ) يعني أنه لو سجد في آية قبلها يظن أنها آية السجدة والحال أنه في صلاة فإنه يسجد لذلك بعد السلام سواء قرأ آيتها في باقي صلاته بعد ذلك وسجدها أم لا .

( قوله حزبا ) أي جملة من القرآن قليلة أو كثيرة فإذا كرر الربع الأخير من الأعراف مثلا لصعوبة أو غير ذلك فإنه يسجد كل مرة .

( قوله ولو في وقت واحد ) أي ولو كان تكرير الحزب في وقت واحد .

( قوله والثاني يسمع ) فيه أن المعلم إذا كان ساكتا كيف يسجد مع أن السامع لا يسجد إلا إذا جلس ليتعلم كما مر وأجيب بأن المعلم يسجد مع كونه سامعا وقول المؤلف فيما مر إن جلس ليتعلم فيه حذف أي أو ليعلم كذا في حاشية شيخنا على خش .

( قوله فأول مرة ) أي فيسجد كل منهما في أول مرة فقط ( قوله واختاره المازري ) أي خلافا لأصبغ وابن عبد الحكم حيث قالا لا سجود عليهما ولا في أول مرة واعلم أن الخلاف محله إذا حصل التكرير لحزب فيه سجدة وأما قارئ القرآن بتمامه فإنه يسجد جميع سجداته باتفاق ولو كان معلما أو متعلما كذا قرر شيخنا .

( قوله فكان على المصنف إلخ ) وذلك لأن صدر العبارة ليس مختارا من خلاف فناسب التعبير فيه بالفعل وآخرها مختار من خلاف فالمناسب التعبير فيه بالاسم .

( قوله مثلا ) [ ص: 312 ] أشار بذلك إلى أنه لا مفهوم للأعراف وإنما خصها بالذكر لئلا يتوهم فيها عدم القراءة لأن في القراءة من سورة غيرها عدم الاقتصار على سورة مع أن الأفضل الاقتصار على سورة وعلى هذا فيستثنى هذا من ذاك وقد يقال لا استثناء لأن هذه ليست قراءة لسنة الصلاة وإنما هي قراءة لأجل أن يكون الركوع واقعا عقب قراءة كما هو طريقته وأما سنة الصلاة فقد حصلت بالقراءة قبل سجود التلاوة .

( قوله ليقع الركوع عقب قراءة ) أي كما هو سنته ( قوله أي لا يجعل الركوع عوضا عنها ) أي كان في صلاة أولا وقالت الحنفية يكفي عنها الركوع وكأنهم رأوا أن المدار على التذلل وأما سجود الصلاة فلا يمكن نيابته عنها لأنها تفوت بالانحناء .

( قوله فلم يسجدها ) أي كان تاركا لسجدة التلاوة .

( قوله وإن قصد به ) أي بذلك الركوع الذي فعله السجدة ولم يقصد الركوع الركني .

( قوله فقد أحالها ) أي غيرها .

( قوله وذلك غير جائز ) ظاهره أنه حرام وأنها تبطل بذلك وبه قال بعضهم وقال بعضهم إن ذلك مكروه ولا تبطل به الصلاة واستظهر قاله شيخنا وعليه فهل يكفي ذلك الركوع أو يطالب بركوع آخر ؟ محل نظر .

( قوله وقصده ) أي الركوع الركني وقصد نيابته عنها وأولى إن لم يقصد نيابته عنها ( قوله وركع ) أي قاصدا الركوع من أول الأمر ( قوله اعتد به ) أي فيمضي عليه ويرفع لركعته .

( قوله ويقرأ شيئا ) تفسير لقوله فيبتدئ الركعة .

( قوله كذا قرر ) أي كذا قرره ابن غازي وبهرام والبساطي .

( قوله كما ذكره الطخيخي ) حاصل كلام الطخيخي أن تارك السجدة له ثلاثة أحوال إما أن يتركها نسيانا ويركع قاصدا الركوع من أول انحطاطه وإما أن يتركها عمدا ويقصد الركوع وأما أن يقصدها أولا وينحط بنيتها فلما وصل لحد الركوع ذهل عنها فنوى الركوع ففي الوجه الأول يعتد بالركوع باتفاق مالك وابن القاسم كما قال اللخمي لأن قصد الحركة للركوع قد وجد وفي الوجه الثاني يعتد بالركوع أيضا لكن يكره له ذلك الفعل وإليه أشار بقوله وإن تركها وقصده صح وكره في الوجه الثالث خلاف بين مالك وابن القاسم فيعتد به عند مالك ولا سهو عليه لا عند ابن القاسم ( قوله فيتفق مالك وابن القاسم على الصحة ) هذه طريقة اللخمي وأما ابن يونس فطريقته تحكي الخلاف في الصورتين فالتقرير الأول الذي ذكره ابن غازي ومن معه ظاهر على تلك الطريقة انظر بن




الخدمات العلمية