(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
قال صاحب الكشاف : " بلى " إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80لن تمسنا النار ) ، أي بلى تمسكم أبدا بدليل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81هم فيها خالدون ) . أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى : 40 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] ولما كان من الجائز أن يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار لا جرم بين تعالى أن الذي يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به ، ومعلوم أن لفظ الإحاطة حقيقة في إحاطة جسم بجسم آخر كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك ههنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة لوجهين :
أحدهما : أن المحيط يستر المحاط به ، والكبيرة لكونها محيطة لثواب الطاعات كالساترة لتلك الطاعات ، فكانت المشابهة حاصلة من هذه الجهة .
والثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30437_21482_30365الكبيرة إذا أحبطت ثواب الطاعات فكأنها استولت على تلك الطاعات وأحاطت بها كما يحيط عسكر العدو بالإنسان ، بحيث لا يتمكن الإنسان من التخلص منه ، فكأنه تعالى قال : بلى من كسب كبيرة وأحاطت كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، فإن قيل : هذه الآية وردت في حق
اليهود ، قلنا : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، هذا هو الوجه الذي استدلت
المعتزلة به في إثبات
nindex.php?page=treesubj&link=28652_28851_30525الوعيد لأصحاب الكبائر .
[ ص: 133 ] واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل ، ولنذكرها ههنا فنقول : اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر ، فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم فريقان ، منهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور
المعتزلة والخوارج . ومنهم من أثبت وعيدا منقطعا وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي والخالد ، ومن الناس من قطع بأنه لا وعيد لهم وهو قول شاذ ينسب إلى
مقاتل بن سليمان المفسر .
والقول الثالث : أنا نقطع بأنه سبحانه وتعالى يعفو عن بعض المعاصي ولكنا نتوقف في حق كل أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم لا ، ونقطع بأنه تعالى إذا عذب أحدا منهم مدة فإنه لا يعذبه أبدا ، بل يقطع عذابه ، وهذا قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر
الإمامية ، فيشتمل هذا البحث على مسألتين :
إحداهما : في القطع بالوعيد .
والأخرى : في أنه لو ثبت الوعيد فهل يكون ذلك على نعت الدوام أم لا ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : " بَلَى " إِثْبَاتٌ لِمَا بَعْدَ حَرْفِ النَّفْيِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ ) ، أَيْ بَلَى تَمَسُّكُمْ أَبَدًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) . أَمَّا السَّيِّئَةُ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) [ الشُّورَى : 40 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) [ النِّسَاءِ : 123 ] وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ سَيِّئَةٍ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ فَحَالُهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّ فَاعِلَهَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لَا جَرَمَ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْخُلُودَ أَنْ يَكُونَ سَيِّئَةً مُحِيطَةً بِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ الْإِحَاطَةِ حَقِيقَةٌ فِي إِحَاطَةِ جِسْمٍ بِجِسْمٍ آخَرَ كَإِحَاطَةِ السُّورِ بِالْبَلَدِ وَالْكُوزِ بِالْمَاءِ وَذَلِكَ هَهُنَا مُمْتَنِعٌ فَنَحْمِلُهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ السَّيِّئَةُ كَبِيرَةً لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُحِيطَ يَسْتُرُ الْمُحَاطَ بِهِ ، وَالْكَبِيرَةُ لِكَوْنِهَا مُحِيطَةً لِثَوَابِ الطَّاعَاتِ كَالسَّاتِرَةِ لِتِلْكَ الطَّاعَاتِ ، فَكَانَتِ الْمُشَابَهَةُ حَاصِلَةً مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30437_21482_30365الْكَبِيرَةَ إِذَا أَحْبَطَتْ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ فَكَأَنَّهَا اسْتَوْلَتْ عَلَى تِلْكَ الطَّاعَاتِ وَأَحَاطَتْ بِهَا كَمَا يُحِيطُ عَسْكَرُ الْعَدُوِّ بِالْإِنْسَانِ ، بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنْهُ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : بَلَى مَنْ كَسَبَ كَبِيرَةً وَأَحَاطَتْ كَبِيرَتُهُ بِطَاعَاتِهِ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْآيَةُ وَرَدَتْ فِي حَقِّ
الْيَهُودِ ، قُلْنَا : الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي اسْتَدَلَّتِ
الْمُعْتَزِلَةُ بِهِ فِي إِثْبَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=28652_28851_30525الْوَعِيدِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ .
[ ص: 133 ] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مُعَظَّمَاتِ الْمَسَائِلِ ، وَلْنَذْكُرْهَا هَهُنَا فَنَقُولُ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِبْلَةِ فِي وَعِيدِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَطَعَ بِوَعِيدِهِمْ وَهُمْ فَرِيقَانِ ، مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ الْوَعِيدَ الْمُؤَبَّدَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ وَعِيدًا مُنْقَطِعًا وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15211بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْخَالِدِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ لَا وَعِيدَ لَهُمْ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ يُنْسَبُ إِلَى
مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُفَسِّرِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْفُو عَنْ بَعْضِ الْمَعَاصِي وَلَكِنَّا نَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى التَّعْيِينِ أَنَّهُ هَلْ يَعْفُو عَنْهُ أَمْ لَا ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا عَذَّبَ أَحَدًا مِنْهُمْ مُدَّةً فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُهُ أَبَدًا ، بَلْ يَقْطَعُ عَذَابَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَكْثَرِ
الْإِمَامِيَّةِ ، فَيَشْتَمِلُ هَذَا الْبَحْثُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : فِي الْقَطْعِ بِالْوَعِيدِ .
وَالْأُخْرَى : فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْوَعِيدُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى نَعْتِ الدَّوَامِ أَمْ لَا ؟