الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1987 - مسألة : فإن كانت المطلقة حاملا من الذي طلقها أو من زنى أو بإكراه فعدتها وضع حملها - ولو إثر طلاق زوجها لها بساعة أو أقل أو أكثر - وهو آخر ولد في بطنها ، فإذا وضعته - كما ذكرنا - أو أسقطته فقد انقضت عدتها وحل لها الزواج .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 41 ] وكذلك المعتقة - وهي حامل - تتخير فراق زوجها ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وكذلك المتوفى عنها زوجها - وهي حامل منه ، أو من زنى ، أو من إكراه - فإن عدتها تنقضي بوضع آخر ولد في بطنها - ولو وضعته إثر موت زوجها - ولها أن تتزوج إن شاءت .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو أسقطته ، ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فلم يخص عز وجل كون الحمل منه أو من غيره - وسواء وطئها الزوج أو لم يطأها ; لأن الله تعالى قال ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فاحتمل أن يستثني هذه من الأولى فيكون المراد : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن إلا اللواتي لم تمسوهن وهن حوامل منكم من تشفير أو من غيركم .

                                                                                                                                                                                          واحتمل أن تستثنى الأولى من هذه فيكون المراد : ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها إلا أن يكن حوامل منكم أو من غيركم ، فواجب أن ننظر أي الاستعمالين ، أو أي الاستثناءين هو الحق ؟ إذ قد ضمن عز وجل بيان ذلك فيما أنزل إلينا من شرائعه - : فوجدنا - خبر عبد الله بن عمر في طلاق امرأته وقد ذكرناه في " أول مسألة من الطلاق في كتابنا هذا " بإسناده .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 42 ] فوجدنا فيه { أنه صلى الله عليه وسلم قال مره : فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا ، أو حاملا منه } .

                                                                                                                                                                                          وفيه أيضا { إذا طهرت فليطلق أو ليمسك ، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فصح أن طلاق الحامل جائز عموما ، إذ هذا منه عليه الصلاة والسلام [ ص: 43 ] تعليم لكل مطلق إلى يوم القيامة ، سواء كان الحمل منه أو من غيره ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يخص حاملا من حامل من غيره ، وأن تلك الحال هو قبل عدتها ، فوجبت العدة عليها بما ذكرنا ، ولم يجز أن يسقط هذا الحكم إلا بيقين ، ولا يقين في سقوطه إلا في المطلقة التي لم يطأها وليست حاملا فقط .

                                                                                                                                                                                          وإذا صح أن عليها العدة فقد وجب ضرورة أن له الرجعة عليها ما دامت في العدة من ، طلاقه ، وعليه النفقة ، ويتوارثان ، ويلحقها إيلاؤه ، وظهاره ، ويلاعنها ; لقوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } .

                                                                                                                                                                                          وبقوله تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وكذلك نقول : إنه إن طلقها وعدتها بالأقراء أو بالشهور ، ثم حملت قبل تمام العدة منه أو من غيره بزنى أو بإكراه ، فإنها تنتقل عدتها إلى وضع ذلك الحمل ، فإذا وضعت فقد تمت عدتها .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو مات فحملت في عدتها من وفاته من زنى أو إكراه فإن عدتها تنتقل إلى عدة الحامل بوضع الحمل ; لأن كل ذلك داخل في عموم قوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } .

                                                                                                                                                                                          وقد غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الحمل في الوفاة على الأربعة الأشهر والعشر - : كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا حسين بن منصور بن جعفر النيسابوري أنا جعفر بن عون أنا يحيى بن سعيد - هو الأنصاري - أخبرني سليمان بن يسار أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : { بعثنا كريبا - هو مولى ابن عباس - إلى أم سلمة أم [ ص: 44 ] المؤمنين ؟ فجاءنا من عندها أن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجها بأيام ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج } .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا " آخر ولد في بطنها " فلقول الله عز وجل : { أجلهن أن يضعن حملهن } فمتى ما بقي من حملها شيء في بطنها : لم تضع حملها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ولمحمد بن الحسن قول هاهنا نذكره - ليحمد الله تعالى سامعه على السلامة - وهو أنه قال : إذا خرج من بطن المرأة من الولد النصف فقد تمت عدتها ، لا يعد في ذلك النصف : فخذاه ، ولا ساقاه ، ولا رجلاه ، ولا رأسه - وقال أبو يوسف : من قال لأمته وهي تلد : أنت حرة فإن كانت حين قوله ذلك قد خرج نصفه الذي فيه رأسه فهي حرة والولد حر ، وإن كانت قد خرج نصف بدنه سوى رأسه فالولد مملوك ، وهي حرة .

                                                                                                                                                                                          روى عنهما ذلك جميعا هشام بن عبيد الله الراوي في سماعه منهما ؟ قال أبو محمد : فليعجب سامع هذا من هذا الاختلاط ؟ أتراه البائس كان من الغرارة بحيث لا يدري أنه متى خرج رأس المولود ومنكباه فإنه في أسرع من كر الطرف يسقط كله ، فمتى يتفرغ لتكسير صلب المولود ومساحته ؟ حتى يعلم أخرج نصفه أم أقل أم أكثر ، وأنه متى خرج رأسه ومنكباه فإنه لا يمكن ألبتة أن يتم قوله أنت حرة حتى يقع جميعه .

                                                                                                                                                                                          أتراه خفي عليه أنها المسكينة في ذلك الوقت " أشغل من ذات النحيين " .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 45 ] إن العجب ليكثر من نسبة من هذا مقدار علمه إلى شيء من العلم - وحسبنا الله ونعم الوكيل .

                                                                                                                                                                                          فإن بقي من المشيمة ولو شيء - فهي في العدة بعد ; لأنها من حملها المتولد مع الولد سواء سواء

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية