الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإن أخذ ثلث رأسه أو ثلث لحيته فعليه دم ، ولم يذكر الربع في الكتاب ، والجواب : في الربع كذلك لما بينا أن ما يتعلق بالرأس فالربع فيه بمنزلة الكمال كما في الحلق عند التحلل ، وهذا لأن حلق بعض الرأس لمعنى الراحة والزينة معتاد فإن الأتراك يحلقون أوساط رءوسهم ، وبعض العلوية يحلقون نواصيهم لابتغاء الراحة والزينة فتتكامل الجناية بهذا المقدار ، والجناية المتكاملة توجب الجبر بالدم ثم الأصل بعد هذا أنه متى حلق عضوا مقصودا بالحلق من بدنه قبل أوان التحلل فعليه دم ، وإن حلق ما ليس بمقصود فعليه الصدقة ، ومما ليس بمقصود : حلق شعر الصدر أو الساق ، ومما هو مقصود : حلق الرأس أو الإبطين [ ص: 74 ] فإن حلق أحدهما أو نتف أو أطلى بنورة فعليه الدم أيضا ; لأن كل واحد منهما مقصود بالحلق لمعنى الراحة ، وفيما ذكر إشارة إلى أن السنة في الإبطين النتف دون الحلق فإنه قال نتف إبطيه أو أحدهما ، ولم يذكر الحلق فإن حلق موضع المحاجم فعليه دم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وفي قولهما عليه صدقة ; لأن ذلك الموضع غير مقصود بالحلق ، وإنما يحلق للتمكن من الحجامة فهو بمنزلة حلق شعر الصدر والساق ، وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم { احتجم ، وهو محرم } ، وما كان يرتكب في إحرامه الجناية المتكاملة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إنه حلق مقصود ; لأنه لا يتوصل إلى المقصود إلا به ، وما لا يتوصل إلى المقصود إلا به يكون مقصودا فتتكامل الجناية ، ولم ينقل { أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق موضع المحاجم } إنما نقل عنه الحجامة ، وليس من ضرورته الحلق فإن الحجام إذا كان حاذقا يشرط طولا فلا يحتاج إلى الحلق ، وكذلك إذا لم يكن المحجوم أشعر البدن ، ولم ينقل في { صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشعر البدن } ، والدليل عليه أنه كان يتحرز عن الجناية الموجبة للصدقة كما يتحرز عن الجناية الموجبة للدم وعندهما هذه جناية موجبة للصدقة

التالي السابق


الخدمات العلمية